أكد البنك الدولي أن المغرب لم يستغل بعد بشكل كامل مزاياه الاقتصادية المتاحة، ولم تنعكس هذه الإيجابيات على تحسين دخل الأفراد أو تقريبه من مستوى البلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى، رغم ما تحقق من تقدم اجتماعي واقتصادي خلال العقود الماضية.
جاء ذلك في مداخلة خافيير دياز كاسو، ممثل البنك الدولي بالمغرب العربي ومالطا، خلال ندوة وطنية نظمها مجلس المستشارين، الأربعاء، تحت عنوان: “الاستثمار والتشغيل والتحول البنيوي في المغرب: نحو حكامة ترابية جديدة دامجة”، في إطار تقييم السياسات العمومية المرتبطة بالاستثمار والتشغيل.
وقال كاسو إن المغرب يملك مزايا نسبية لا يمكن إنكارها، منها الموقع الجغرافي الاستراتيجي، والاستقرار السياسي، واستمرارية السياسات العمومية، إلى جانب بنية تحتية ذات مستوى عالمي، ومعدل استثمار استثنائي يبلغ حوالي 30% من الناتج الداخلي الخام طيلة عدة عقود. كما أشار إلى توفر البلاد على شبكة من الاتفاقيات التجارية تتيح لها نفاذاً تفضيلياً إلى الأسواق الدولية وجذب استثمارات أجنبية مباشرة.
ورغم هذه المؤهلات، أوضح كاسو أن النمو الاقتصادي في المغرب ظل محصوراً في حدود 3 إلى 4% خلال السنوات الأخيرة، وهو معدل اعتبره غير كافٍ لتحقيق تقارب مع البلدان الأكثر ديناميكية، مما يثير تساؤلات دولية حول سبب عدم استفادة البلاد من مزاياها.
وأضاف أن المغرب لم يسجل سوى حالة ركود اقتصادي واحدة في القرن الحالي (سنة جائحة كوفيد)، مقارنة مع سبع سنوات من الركود خلال الثمانينيات والتسعينيات، مما يعكس متانة نسبية في الأداء الاقتصادي، لكنه أشار إلى أن معدل نمو الناتج الفردي ظل أقل من المتوسط العالمي وأضعف من الأسواق الناشئة الأخرى، ما يُبطئ الارتقاء إلى مستويات دخل أعلى.
وفسّر المتحدث الأمر بعاملين أساسيين: أولهما ضعف مساهمة الإنتاجية في النمو، رغم الإنفاق الكبير على التعليم (حوالي 6% من الناتج الداخلي الخام سنوياً)، وهو ما يفوق معدلات الإنفاق في دول مماثلة. وثانيهما محدودية مساهمة التوظيف في خلق النمو، بسبب عدم توفير ما يكفي من فرص الشغل، خصوصاً لفئة الشباب والنساء، رغم أن التركيبة الديموغرافية الحالية تصب في صالح المملكة.
وأكد أن الإنتاجية تُعد المحرك الأساسي للنمو على المدى البعيد، ما يجعل تحرير طاقتها أولوية مركزية في جدول أعمال الإصلاح الاقتصادي. كما لفت إلى أهمية تطوير العدالة التجارية وآليات فض النزاعات وتسريع التصفية التجارية، وهي مجالات لا يزال المغرب متأخراً فيها مقارنة بالدول المتقدمة.
وأشار كاسو إلى أن بناء سياسات عمومية فعالة يستدعي الاعتماد على بيانات موثوقة، مؤكداً أن المغرب أطلق مؤخراً إصلاحات في هذا المجال، وهي خطوة يعتبرها البنك الدولي حاسمة لتصميم سياسات قائمة على الأدلة والمعطيات، كما هو معمول به في الدول الناجحة.