الملاحظ نورة حكيم (صحفية متدربة)
في خطوة استراتيجية تعكس التحول العميق الذي يشهده المغرب في مسار الاعتراف بتعدد مكوناته اللغوية والثقافية، أكدت الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، السيدة أمل الفلاح السغروشني، أن إدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التشريعية يشكل أحد التحديات المركزية، لما يتطلبه من تعبئة مؤسساتية لتطوير أدوات الصياغة القانونية بالأمازيغية، وتوفير خدمات ترجمة عالية الجودة، إلى جانب تشجيع التكوين القانوني في هذا المجال، بما يكرّس مبدأ المساواة في الولوج إلى المعرفة القانونية ويحقق العدالة اللغوية.
تصريحات الوزيرة جاءت خلال يوم دراسي نظمته الوزارة بشراكة مع الأمانة العامة للحكومة والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، تحت عنوان: “إدماج اللغة الأمازيغية في التشريع: الفرص، الإمكانيات، والتحديات”، حيث تم التأكيد على أن هذا الورش الوطني يستند إلى مرجعيات دستورية وسياسية واضحة، في مقدمتها الخطاب الملكي التاريخي بأجدير سنة 2001، الذي أسس لانطلاقة فعلية نحو إعادة الاعتبار للأمازيغية، كمكون أصيل من الهوية المغربية، فضلاً عن اعتماد رأس السنة الأمازيغية عيدًا وطنيًا رسميًا، ابتداءً من سنة 2023، في خطوة ترمز إلى الالتزام السياسي والمؤسساتي الراسخ للدولة في هذا المجال.
وأكدت الوزيرة أن السياق الوطني الراهن يشهد دينامية متزايدة على مستوى تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، مما يشكل فرصة مواتية لتوسيع نطاق النقاش المؤسساتي والمجتمعي حول سبل إدماج هذه اللغة في التشريعات الوطنية، داعية إلى بلورة توصيات عملية قابلة للتنفيذ، تُعزز من حضور الأمازيغية في القانون المغربي، وتكرّس مغربًا متعددًا ومنفتحًا على كل روافده الثقافية.
وأشادت الوزيرة بالمبادرات التي أطلقتها الوزارة، في اتجاه تسهيل إدماج الأمازيغية في الإدارة والخدمات العمومية، من قبيل تشغيل أعوان استقبال يتحدثون الأمازيغية، اعتماد التشوير الثنائي في المؤسسات العمومية، إدراج الأمازيغية في مراكز الاتصال، الترجمة الفورية للجلسات التشريعية، وخلق فضاءات للتواصل بالأمازيغية، بالإضافة إلى دعم الإنتاج الثقافي الناطق بها.
كما سلطت الضوء على الشراكة الاستراتيجية القائمة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والتي تروم تفعيل استعمال الأمازيغية داخل المرافق العمومية وفق مقاربة تشاركية تضمن اندماجًا تدريجيًا وفعّالًا لهذه اللغة، انسجامًا مع المقتضيات الدستورية والتوجيهات الملكية.
في السياق ذاته، شهد اليوم الدراسي توقيع ثلاث اتفاقيات شراكة استراتيجية بين الأمانة العامة للحكومة، الوزارة، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، تهدف إلى تفعيل مضامين البرنامج الحكومي المتعلقة بإدماج الأمازيغية، ودعم جهود الترجمة القانونية، وتقوية القدرات المؤسساتية واللغوية للموارد البشرية المعنية.
- الاتفاقية الأولى تهم التعاون المؤسساتي في مجال إدماج الأمازيغية تدريجيًا في النصوص القانونية، خاصة من خلال الترجمة، التكوين، والتوثيق.
- الاتفاقية الثانية تتعلق بترجمة النصوص القانونية والتنظيمية ذات الصبغة العامة إلى الأمازيغية، خصوصًا القوانين التنظيمية والنصوص ذات الأولوية المرتبطة بالحياة العامة، والمستخدمة بانتظام في المحاكم والإدارات.
- الاتفاقية الثالثة تركز على الجانب التكويني، من خلال تنظيم دورات تكوينية لفائدة أطر الأمانة العامة والقطاعات المعنية، ووضع معجم قانوني مرجعي بالأمازيغية، إضافة إلى إصدار نسخة أمازيغية من دليل إعداد النصوص التشريعية والتنظيمية.
إن ورش إدماج الأمازيغية في المنظومة التشريعية لا يقتصر على البعد اللغوي فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى كونه مدخلًا لتحقيق الإنصاف في الوصول إلى العدالة والمعرفة، ومكونًا أساسيًا في بناء دولة القانون والمؤسسات القائمة على المساواة والتعدد.
وتُعد هذه المبادرات ترجمة فعلية للإرادة السياسية الوطنية، التي تسعى إلى تجاوز التمثلات التقليدية للثقافة واللغة، نحو بناء نموذج إداري وتشريعي أكثر شمولية وانفتاحًا. كما يعكس هذا التوجه وعيًا جماعيًا متزايدًا بأهمية العدالة اللغوية في تقوية الروابط الاجتماعية، وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة بمختلف مكوناتها.
يمثل إدماج الأمازيغية في التشريع الوطني خطوة متقدمة في مسار الاعتراف الفعلي بالتعدد الثقافي واللغوي للمملكة المغربية. وإذا كانت التحديات المرتبطة بهذا الورش متعددة، فإن المقاربة التشاركية المعتمدة، والدعم المؤسساتي المتواصل، كفيلان بإرساء قواعد صلبة لهذا المسار، من أجل مغرب منفتح، ديمقراطي، ومتعدد، يُكرّس الإنصاف والكرامة لجميع مواطنيه، بمختلف لغاتهم وهوياتهم.
