صفاء فتحي – صحفية متدربة
تُعد البطالة من أبرز القضايا الاجتماعية التي تشغل الرأي العام المغربي، خصوصًا مع استمرار ارتفاع نسبتها رغم البرامج الحكومية المتعددة المطروحة.
الشباب وحاملو الشهادات هم الأكثر تضررًا، حيث تتزايد الفجوة بين متطلبات سوق العمل ومخرجات التعليم. في هذا الملف، نسلط الضوء على الأرقام الرسمية، الأسباب الجوهرية، التداعيات، والجهود المبذولة للحد من هذه الأزمة.
أرقام تدق ناقوس الخطر
وفقًا لأحدث تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2024، بلغت نسبة البطالة في المغرب 13.7%، مايشكل ارتفاعا ملحوظا مقارنةً بالسنة الماضية التي سجلت 12.9%.
وتبرز الإحصائيات الفئات الأكثر تأثرًا بهذه الظاهرة:
حيث وصلت نسبة البطالة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة إلى 35.5%.
من جهة أخرى، سجل معدل البطالة لدى الأشخاص الحاصلين على شهادة ارتفاعا، حيث وصل إلى 20,3 في المائة. وكان هذا الارتفاع أكثر حدة في صفوف الحاصلين على شهادات التأهيل والتخصص المهني، والحاصلين على شهادات الثانوي التأهيلي.
كما أن معدل البطالة وصل لدى النساء إلى 17%، مقابل 10% لدى الرجال.
وتوزعت جغرافيا البطالة على النحو التالي، حيث تظهر الأرقام تفاوتًا كبيرًا بين الجهات.
فمن بين الجهات التي سجلت فيها أعلى نسب البطالة، نجد جهة كلميم واد نون وصلت إلى 22%، تليها جهة الشرق بنسبة 21.7%، ثم جهة بني ملال-خنيفرة بنسبة 20%.
أما الجهات التي عرفت أدنى نسب البطالة، نجد جهة الداخلة واد الذهب بنسبة 11% وجهة الدار البيضاء-سطات بنسبة تصل إلى 12.5%.
أسباب تفاقم البطالة
يرجع الخبراء أسباب ارتفاع البطالة في المغرب إلى عدة عوامل، أبرزها:
ضعف النمو الاقتصادي، مرجحين ذلك إلى أن القطاعات الاقتصادية التقليدية لا تُنتج فرص عمل كافية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الشباب الباحثين عن عمل.
إضافة إلى ملاءمة التعليم لسوق الشغل، لما يعانيه الخريجون من عدم توافق مهاراتهم مع احتياجات السوق، ما يخلق فجوة بين العرض والطلب في سوق العمل.
وأكد الخبراء أن التوزيع الجغرافي غير المتوازن، يعتبر أيضا سببا رئيسيا في تفشي البطالة، حيث تتركز الفرص الاقتصادية في المدن الكبرى، بينما تعاني المناطق الداخلية من نقص الاستثمار.
كما كان كذلك لجائحة كورونا، تداعيات امتدت على المدى البعيد، حيث أثرت على قطاعات حيوية من بينها السياحة، مما أدى إلى فقدان آلاف الوظائف.
تأثير البطالة
من الناحية الاجتماعية، يؤدي ارتفاع معدلات البطالة إلى تفشي الفقر بنسب عالية، ويؤخر سن الزواج، كما يزيد من معدلات الهجرة غير الشرعية.
أما اقتصاديًا، يُسهم في تقليل الإنتاجية الوطنية، ويزيد الضغط على ميزانية الدولة من خلال برامج الدعم الاجتماعي.
وأما بالنسبة للجانب النفسي، يواجه الشباب المحبطون من عدم الحصول على وظيفة مشكلات نفسية مثل الاكتئاب والقلق.
شهادات من الواقع
سعاد، 26 سنة، حاصلة على ماستر في الاقتصاد:
“بحثت عن وظيفة لمدة عامين دون جدوى، وأخيرًا قررت أن أبدأ مشروعًا صغيرًا لبيع الحلويات المنزلية.”
أيوب، 24 سنة، تقني متخصص في البرمجة:
“لم أجد وظيفة في شركة، فتعلمت العمل الحر عبر الإنترنت، والآن أعمل كمطور ويب مع عملاء أجانب.”
جهود الدولة
سعت الحكومة المغربية لإطلاق عدة برامج لمواجهة هذه الظاهرة، مثل:
برنامج “أوراش”، الذي يستهدف خلق فرص عمل مؤقتة في عدة قطاعات، خاصة في المناطق القروية.
وبرنامج “فرصة”، الذي يدعم الشباب الراغبين في إنشاء مشاريع صغيرة من خلال تمويلات ميسرة.
إضافة إلى تعزيز التكوين المهني، من خلال إعادة هيكلة مراكز التكوين المهني بهدف تطوير مهارات الشباب وتسهيل اندماجهم في سوق العمل.
وأيضا تشجيع الاستثمار الأجنبي، عبر توفير حوافز لجذب الشركات العالمية لخلق مزيد من فرص الشغل.
رغم الجهود المبذولة، لا تزال ظاهرة البطالة تشكل تحديًا كبيرًا أمام المغرب. ويبقى الرهان على إصلاحات هيكلية في الاقتصاد والتعليم، وتشجيع ريادة الأعمال والاستثمار المحلي والدولي، لضمان مستقبل أفضل للشباب المغربي.