الطلاق في المجتمع المغربي.. كيف تدفع النساء ثمنه أكثر من مرة؟

الطلاق في المجتمع المغربي.. كيف تدفع النساء ثمنه أكثر من مرة؟

سلمى الركيبي – صحفية متدربة            

“عوض ما نفرح بطلاقي وأني تفكيت من القهرة والذل لي كنت عايشة فيه لقيت راسي عايشة كابوس منتمناه الحتى وحدة”، هكذا تحدثت “بديعة” عن معاناتها بعد الطلاق.

بديعة التي فتحت قلبها لصحيفة “الملاحظ”، عاشت سنة ونصف من الزواج في جحيم لا يطاق، ومن التعذيب والضرب والجوع والقهر ومحاولات فاشلة لثني الزوج عن تصرفاته من طرف العائلة والأصدقاء.

وقالت متحدثتنا بمرارة، وهي امرأة مطلقة في الـ 24 من عمرها، غير أن وجهها وجسدها يوحيان بسن أكبر، “ظننت أني أغلقت بطلاقي صفحة الألم والمعاناة، ولم أكن أتصور قط أني سأعيش بعده كابوسا أكثر رعبا”.

يشكل الطلاق في كثير من الأحيان الحل الوحيد لإنهاء علاقة زوجية فاشلة، ونهاية لمشاكل وصراعات صعب على الزوجين تجاوزها، لكن بالرغم من أنه يتعلق بالزوجين معا، فإن انعكاساته السلبية تمسهم بدرجات متفاوتة.

الكاتب والباحث في علم الاجتماع مصطفى أبو مالك يفسر ذلك قائلا “هذا نابع أساسا من الثقافة السائدة، والتي كما يعرف الكل أنها ثقافة رجولية، لا تضع المرأة في نفس المكانة التي يمتاز بها الرجل، وعندما أقول الثقافة أعني بذلك طريقة التفكير وطريقة العيش التي منذ زمن بعيد جدا كانت تهمش المرأة وتعطي الرجل جميع الصلاحيات”

وجود المطلقة تهديد لباقي العلاقات الزوجية

بديعة ونساء أخريات لم يفعلن شيئا غير أنهن قررن إنهاء زواجهن، فحكم عليهن المجتمع بالفشل، وتابعهن في شرفهن وأخلاقهن.

حنان امرأة مطلقة (29 سنة) وأم لثلاث أطفال، ترى أن المطلقة تعامل معاملة الشخص الذي يحمل فيروسا فتاكا معديا، يخاف الجميع قربه، فبالنسبة لهم حنان وقريناتها يهددن استقرار باقي العلاقات الزوجية واستمرارها.

قالت حنان وابتسامة خفيفة مرسومة على وجهها “بمجرد حصولي على الطلاق، وجدت نفسي فريسة لمجتمع يشكك في شرف المطلقة وعفتها، تخاف مني قريباتي وجاراتي وصديقاتي”.

وتابعت قائلة “العيالات ولاو خايفيني ندي لهم رجالهم، بالنسبة لهم لا ماقلبتش على الرجل الراسي مغيجيش يدق باب دارنا”.

أما عن اتخاذها لقرار الطلاق، تقول حنان “وجدت نفسي لوحدي، الكل كان ضد قراري، إخوتي اعتبروه مسا بشرفهم وكرامتهم، ووالدي ووالدتي لم يفكروا في شيء آخر سوى أنني سأكون وأبنائي الثلاث هما ينضاف إلى باقي همومهم، أما صديقاتي فبدأن في قطع صلتهن بي واحدة تلوة الأخرى”.

صمتت وصدرت عنها تنهيدة ملؤها الألم، وتابعت قائلة “قليلون قليلون من كانوا في صفي وساندوني، لم أكن أسمع سوى ستشتتين شملك وتشردين أبنائك”.

في هذا الصدد يرى الأستاذ مصطفى أبو مالك أن الطلاق عيب اجتماعي “لأن مؤسسة الزواج أساسية لكي يحظى الفرد داخل المجتمع بمكانة عادية، فالزواج هو الطريق الوحيد لولوج عالم الكبار، وعندما نقول الولوج لعالم الكبار فذلك يعني أنه يخول الاعتراف الاجتماعي بالأخر”.

وأضاف “عدم الزواج يمس العازبة كما يمس المطلقة، بمعنى أن الناس عندما يصلون لسن معين يجب أن يتزوجوا، لأنه كما قلت وأكرر الزواج هو المسار الوحيد لولوج عالم الكبار، وضروري لتكون لدى الفرد مكانة ووضعية اجتماعية عادية”.

الطلاق يبيح التحرش

بمجرد طلاقها تصبح المرأة معرضة لشتى أنواع الاستغلال بما فيه الجنسي، تقول زهرة امرأة مطلقة في 30من العمر تشتغل بإحدى الشركات بمدينة الدار البيضاء، “مباشرة بعد طلاقي تعرضت لمضايقات من مشغلي وبعض زملائي في العمل، الذين كانوا ينظرون لي على أني سهلة المنال، ويمكنني الانصياع وراء رغباتهم الجنسية، ناهيك عن النظرة الدونية والاحتقراية التي يوجهونها لي كلما فتحنا نقاشا حول الزواج والأسرة”.

وتكمل بصوت مرتعش “لقد كان الأمر صعبا فقد اضطررت مرات عديدة لمغادرة عملي، بحثا عن راحتي النفسية وسلامي الداخلي”.

“ماشي غير فالخدمة حتى فالحي ووسط العائلة” تضيف زهرة، وقد اغرورقت عيناها بالدموع “أحاسب على الكبيرة والصغيرة، على جلستي وكلامي وضحكتي، الكل يتربصني”، فجأة اعتدلت في جلستها وغيرت نبرة صوتها من نبرة حزينة لنبرة ملؤها القوة والجدية موجزة في كلامها “أنا لست عاهرة، أنا امراة عانت القهر والظلم في زواجها، فكان خلاصها الطلاق، وهذه النظرة الدونية للمطلقة يجب أن تتغير”.

يؤكد ذلك الأستاذ أبو مالك قائلا “عندما يقع الطلاق، تصبح المرأة عرضة للاستغلال بجميع أنواعه وبالخصوص الجنسي، ففي نظر الرجل ستكون سهلة المنال ومتاحة جنسيا، لأنها تكون وحيدة ومنعزلة، لكن ليس جميع الرجال طبعا، فقط الذين يعانون من البؤس الجنسي، وهؤلاء الرجال للأسف لا يعلمون بذلك”.

عار يلاحق المطلقة إلى الأبد

يصعب في كثير من الأحيان على المطلقة بناء حياة جديدة وتأسيس أسرة مرة أخرى، إلياس شاب في 30 من العمر قال بصرامة بعد سؤالنا له هل تقبل الزواج بمطلقة “لم تحافظ على زواجها الأول فكيف لها أن تبني علاقة زوجية مرة أخرى”، وتابع بغضب “منستهلش عزباء؟، آش يقولو عليا الناس، لا أقبل”.

معظم الرجال الذين حاورناهم فضلوا الزواج بعزباء لم يسبق لها أن تزوجت، إلا القلة القليلة، من بيهم سلمان، الذي قال بكل هدوء واستغراب بعد سماع السؤال “لم لا؟ هل المطلقة مجرمة؟ في الغالب تطلقت لظروف قاسية عاشتها في زواجها، فاختارت الطلاق لتنقذ ما بقي فيها”.

يفسر لنا الأستاذ أبو مالك هذا الرفض قائلا “الزواج فترة رئيسية وأساسية في حياة الرجل المغربي العادي، وعودة إلى الثقافة السائدة أو العقلية السائدة إن صح التعبير، يجب بالمفهوم الاجتماعي على الرجل الزواج بفتاة لم يسبق لها أن عاشت تجربة جنسية من قبل، ويكون هو أول من تعشها معه، وهذا ما يسمى بالفرنسية le droit à la primeur”، مضيفا “من ضمن الشروط الاجتماعية في الزواج الفتاة البكر، وهذه المسألة تشبع بها العرب بشكل عام والمغاربة بشكل خاص، وبذلك يتخوف الرجل من العقاب الاجتماعي والنظرة الدونية للمجتمع”.