الملاحظ -نورة حكيم (صحفية متدربة)
يشهد المغرب في السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في حجم ونوعية الاستثمارات الصينية، وهو ما يعكس تحولاً استراتيجياً في نظرة بكين إلى المملكة باعتبارها منصة صناعية ولوجستية واعدة تربط بين أوروبا وإفريقيا. في هذا السياق، أعلنت شركة “Bethel Automotive Safety Systems” الصينية، الرائدة في مجال تصنيع أنظمة سلامة السيارات، عن استثمار بقيمة 75 مليون دولار أمريكي، أي ما يعادل أكثر من 680 مليون درهم مغربي، لإقامة وحدة صناعية متكاملة في المنطقة الحرة لمجمع طنجة للسيارات. هذا المشروع، الذي سيتولى إنتاج وبيع مكونات سلامة السيارات، يأتي ليعزز دينامية الاستثمار الصناعي الصيني في المملكة، ويعكس ثقة متنامية في بيئة الأعمال المغربية.
ما يلفت في هذا الاستثمار الجديد هو أنه لم يأت في سياق ظرفي معزول، بل يُشكل امتداداً لاستراتيجية أشمل تتبناها الصين منذ سنوات، تقوم على توسيع حضورها الصناعي في إفريقيا عبر شركاء موثوقين، وتحديداً أولئك الذين يتوفرون على بنى تحتية متقدمة واستقرار سياسي واقتصادي. المغرب، من جانبه، استطاع خلال العقدين الماضيين بناء منظومة صناعية حديثة، لا سيما في قطاعي السيارات والطيران، وهو ما جعل منه أرضية مثالية لاستقبال شركات ذات وزن تكنولوجي كبير مثل Bethel.
من جهة أخرى، ساهمت عدة عوامل في تسهيل هذا التوجه الاستثماري، منها إلغاء تأشيرة الدخول للمواطنين الصينيين، ووجود اتفاقيات تجارة حرة بين المغرب وكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فضلاً عن توفر المملكة على احتياطات مهمة من المعادن الأساسية في صناعة السيارات الكهربائية. كل هذه المعطيات جعلت من المغرب وجهة استراتيجية لمشاريع ذات بعد مستقبلي، خصوصاً مع تزايد الطلب العالمي على السيارات الذكية والخضراء.
أما من الجانب الصيني، فيُنظر إلى هذا النوع من الاستثمارات كجزء من تنفيذ التزامات بكين ضمن “مبادرة الحزام والطريق”، والتي أصبحت تولي اهتماماً متزايداً للقارة الإفريقية. ووفقاً لتقرير صادر عن مركز التمويل والتنمية الأخضر الصيني، فقد سجلت الالتزامات الاستثمارية الصينية في المغرب، في إطار هذه المبادرة، نمواً فاق 720% خلال السنة الماضية، ما يعكس اتجاهاً واضحاً نحو تعميق التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
الاستثمار الجديد لشركة Bethel لا يُتوقع أن يكون الأخير من نوعه، بل قد يفتح الباب أمام شركات صينية أخرى لاكتشاف السوق المغربي، مستفيدة من الثقة المتزايدة في مناخ الاستثمار المحلي، ومن تكامل المصالح بين الجانبين. كما يُنتظر أن يُحدث المشروع تأثيراً اقتصادياً ملموساً، سواء من حيث خلق فرص الشغل أو من خلال إدماج التكنولوجيا المتقدمة في النسيج الصناعي المغربي، وهو ما سيُسهم في تعزيز مكانة المملكة كمركز صناعي إقليمي في مجال صناعة السيارات ومكوناتها.
بهذا المعطى، يُمكن القول إن المغرب لا يكتفي اليوم باستقطاب الاستثمارات، بل ينجح في إعادة تعريف موقعه ضمن خارطة التصنيع العالمي، مستفيداً من تحولات جيو-اقتصادية عميقة، ومن رغبة قوى اقتصادية كبرى في تنويع تمركزها الصناعي خارج آسيا. الصين، من جهتها، تجد في المملكة شريكاً آمناً وفعّالاً لترجمة طموحاتها الصناعية، بما يخدم مصالح الطرفين في عالم سريع التحول.