الملاحظ نورة حكيم (صحفية متدربة)
تسير وزارة الصحة والحماية الاجتماعية نحو تفعيل مشروع مرسوم جديد لإعادة النظر في منظومة تسعير الأدوية بالمغرب، في خطوة وصفت بـ”الإصلاحية”، لكنها أثارت ردود فعل متباينة، خصوصاً من طرف الفاعلين في قطاع الصيدلة، الذين عبّروا عن تخوفاتهم من تأثيرات محتملة على استقرار الصيدليات والأمن الدوائي الوطني.
ويهدف هذا المشروع إلى تحديث نظام تسعير الأدوية، لا سيما تلك الخاصة بالأمراض المزمنة، وإحداث توازن بين حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وتحفيز الصناعة الوطنية، مع الحفاظ على مصالح الصيدليات وصيانتها كمرافق صحية ضرورية.
- تخفيض أسعار الأدوية الجنيسة: يقترح المشروع أن يكون سعر الدواء الجنيس أقل من سعر نظيره الأصلي بنسبة تتراوح بين 20% و30%. هذا الإجراء يهدف إلى تعزيز التنافسية وضمان عدالة الأسعار، لكن مهنيين حذروا من تأثير ذلك على استمرارية بعض الأصناف، خصوصاً ذات الهامش الربحي المحدود.
- تحديد عدد الأدوية الجنيسة: ينص المشروع على ألا يتجاوز عدد الأدوية الجنيسة المرخصة لكل دواء أصلي خمسة، في خطوة تهدف إلى تنظيم السوق والحد من المنافسة غير المتكافئة، التي قد تضر بجودة الخدمة واستقرار العرض.
- مراجعة دورية للأسعار: بموجب هذا النص، سيتم تقليص مدة مراجعة أثمنة الأدوية من خمس سنوات إلى ثلاث، في محاولة لجعل الأسعار أكثر مرونة وتفاعلاً مع تقلبات السوق المحلية والدولية.
- الإبقاء على هامش ربح الصيدلاني: أكدت وزارة الصحة، على لسان الوزير أمين التهراوي، أن المشروع لا يمس بهوامش ربح الصيادلة، وهو ما اعتُبر نقطة إيجابية لدى العديد من المهنيين.
ورغم التطمينات الرسمية، عبّرت الكونفدرالية الوطنية لنقابات صيادلة المغرب عن رفضها التام للصيغة الحالية للمشروع، ووصفتها بـ”الأحادية”، محذرة من تداعياتها على التوازن الاقتصادي للصيدليات وعلى الأمن الدوائي الوطني. كما دعت إلى التعبئة المهنية استعداداً لجميع أشكال الاحتجاج، بما في ذلك إضراب وطني شامل.
بالمقابل، تؤكد الوزارة أنها أخذت بعين الاعتبار مختلف المطالب، وأن المشروع جاء بعد سلسلة من اللقاءات مع الصيادلة والمصنعين والموزعين. كما تعهدت بتفعيل مخرجات الحوار السابق، خصوصاً ما تعلق بقوانين تعود لسنة 1922، والمكملات الغذائية، والتلقيح داخل الصيدليات، إضافة إلى ملف الأدوية البيطرية.
- مخاطر اختفاء بعض الأدوية: يرى مراقبون أن تخفيض هامش ربح بعض المصنعين قد يؤدي إلى سحبهم لبعض المنتجات غير المربحة، مما قد يخلق نقصاً في السوق ويمس بالأمن الدوائي.
- الاعتماد على الاستيراد: رغم أن المغرب يُصنّع حوالي 70% من احتياجاته الدوائية محلياً، إلا أن المواد الخام تأتي في مجملها من الخارج، مما يجعل السوق عرضة للاختلالات المرتبطة بالتوريد العالمي.
- ضعف الإطار المرجعي لتحديد الأسعار: ربط الأسعار بأسواق أجنبية (مثل فرنسا وإسبانيا) يتطلب آلية واضحة وشفافة، كي لا يتأخر انعكاس انخفاض الأسعار الدولية على السوق المغربية.
يمثل مشروع مرسوم تسعير الأدوية خطوة جريئة نحو إصلاح منظومة معقدة تتداخل فيها الأبعاد الصحية، الاقتصادية، والاجتماعية. إلا أن نجاح هذا الإصلاح يبقى رهيناً بمدى التزام الحكومة بالحوار والتوافق مع الشركاء المهنيين، وبمدى استعدادها لمواكبة المصنعين والصيادلة بتدابير داعمة، تضمن استمرارية العرض الدوائي وجودته، وتحمي في الآن نفسه القدرة الشرائية للمواطن المغربي.
الإصلاح في قطاع حساس كقطاع الأدوية لا يحتمل المعالجات الأحادية، بل يتطلب توازناً دقيقاً بين منطق السوق، وضرورات الصحة العمومية، ومصالح المهنيين