ذكرى وثيقة الاستقلال: من جهاد الحرية و الاستقلال إلى جهاد التنمية و الازدهار
بقلم: د. خالد الشرقاوي السموني
يحتفل الشعب المغربي في 11 يناير من كل سنة بذكرى تقديم وثيقة الاستقلال الخالدة باعتبارها ملحمة عظيمة في مسلسل الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة المغفور له الملك محمد الخامس ، و حدثا تاريخيا بارزا سيظل راسخا في ذاكرة الأجيال المتعاقبة، و إحدى المحطات الرئيسية في التاريخ المغربي من أجل تحقيق الاستقلال.
ففي تاريخ 11 يناير 1944 قام رجال الحركة الوطنية بتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى سلطات الحماية تطالب باستقلال المغرب ووحدة ترابه ، والتصدي كذلك للظهير البربري في 28 غشت 1930. وارتكزت مطالب نص وثيقة الاستقلال على ثلاثة مطالب :
أولاً: أن يطالب باستقلال المغرب ووحدة ترابه تحت ظل صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى سيدنا محمد بن يوسف نصره الله وأيده. ثانياً: أن يلتمس من جلالته السعي لدى الدول التي يهمها الأمر الاعتراف بهذا الاستقلال وضمانه، و لوضع اتفاقيات تحدد ضمن السيادة المغربية ما للأجانب من مصالح مشروعة.
ثالثاً: أن يطلب نظام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنتي والمشاركة في مؤتمر الصلح.
رابعاً: أن يلتمس من جلالته أن يشمل برعايته حركة الإصلاح الذي يتوقف عليه المغرب في داخله، ويكل لنظره السديد إحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية في الشرق تحفظ فيه حقوق سائر عناصر الشعب المغربي وسائر طبقاته وتحدد فيه واجبات الجميع، والسلام.
وكان رد سلطات الحماية الفرنسية بشن حملة اعتقالات واسعة في حق رجال ونساء المقاومة الأبطال والبطلات. و منذ ذاك الحين ، و بالرغم من الاعتقالات الواسعة في صفوف المقاومين في كل أرجاء البلاد ، نهضت همم هؤلاء و تقوت عزيمتهم و إرادتهم من أجل الكفاح المستمر و المستميت حتى يتحرر الوطن و تنعم البلاد بالحرية و الاستقلال .
و في يوم 20 غشت 1953 عندما قررت الحكومة الفرنسية، باقتراح من الجنرال كيوم، إقالة المغفور له الملك محمد الخامس ، ونفيه من المغرب مع أفراد من الأسرة الملكية إلى جزيرة كورسيكا ومنها إلى مدغشقر ، اندلعت الشرارة الأولى لثورة الملك والشعب الخالدة في ذاكرة المغاربة ، حيث انتفض الشعب المغربي ، فخرج بكل فئاته في مختلف أرجاء البلاد في انتفاضة عارمة للتصدي لمخططات المعمر الفرنسي و ليؤكد رفضه المطلق لإبعاد الملك الشرعي عن عرشه ووطنه. واندلعت أحداث مؤلمة ، كما شنت إضرابات عديدة شلت مختلف القطاعات الحيوية ، ونظمت عمليات للمقاومة أدت إلى استشهاد العديد من الوطنيين ، و قررت سلطات الاستعمار إطلاق حملة من الاعتقالات في صفوف الوطنيين .
وكان للمواقف الشجاعة للملك محمد الخامس طيب الله ثراه الذي فضل المنفى على التفريط في سيادة المغرب ووحدته الوطنية وقع كبير وحاسم على نفوس شعبه الوفي ضد الاستعمار ، ولم يرض الملك لنفسه المذلة و الهوان وعبر عن وفائه لشعبه و إخلاصه لعهد البيعة التي تجمعه به ، فاختار سبيل التضحية بحياته من أجل حرية و كرامة الوطن ، و قليل من الملوك والرؤساء من بقوا مخلصين لشعوبهم ، حيث تآمروا على شعوبهم و تنكروا لعهودهم و انحازوا إلى الجهة الغالبة ، خانعين و خاضعين مقابل حمايتهم وحماية أسرهم من البطش و النفي أو الاغتيال.
لقد شكلت وثيقة الاستقلال حدثا تاريخيا عظيما، وخلدت أروع صور الوطنية الصادقة، حيث قدم المغاربة آنذاك رجالا و نساء المثال الحي للوطنية و للوفاء و الإخلاص و التضحية .
كما أن ذكرى ثورة الملك والشعب، ملحمة متجددة، في أذهان الأجيال ، تحتم علينا على الدوام استحضار أرواح جميع رجال المقاومة الشهداء ، بما أبلوا من تضحيات كبيرة من أجل تحرير الوطن .
و لذلك يجب على الجيل الحالي و الأجيال القادمة استلهام دلالات الكفاح الوطني والجهاد من أجل استقلال الوطن و تضحيات و استحضار أرواح الشهداء الذين بفضلهم نعيش زمن الحرية والاستقلال ، كما يجب استكمال الجهاد من أجل دعم مسيرة التنمية والديمقراطية وتعزيز دولة القانون و تحقيق الرخاء والازدهار لبلادنا ، للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة عالميا .
و لئن كافح المغفور له الملك محمد الخامس لانتزاع استقلال وحرية المغرب ، مضى ابنه المغفور له الملك الحسن الثاني لتوحيد شمال المغرب وجنوبه، عبر استرجاع أقاليمنا الصحراوية ، وها هو العاهل المغربي الملك محمد السادس، يمضي في تعزيز الوحدة الترابية، وإرساء أسس الأمن والاستقرار والتنمية و البناء ، مع خوض إصلاحات عميقة وجذرية ، استطاعت من خلالها بلادنا أن تشق الطريق باستمرار وانتظام لتخطو خطوات حثيثة على درب الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية والدينية ، جعلت من المغرب دولة قوية بمؤسساتها، و بوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية.