الملاحظ نورة حكيم (صحفية متدربة)
شهدت مدينة الدار البيضاء اليوم توتراً ميدانياً بعد أن طوقت السلطات الأمنية مجموعة من عمال التوصيل عبر الدراجات النارية العاملين مع شركة “غلوفو”، وذلك في محاولة لمنعهم من تنظيم مسيرة احتجاجية كانوا يعتزمون تنظيمها انطلاقاً من مقر الاتحاد المغربي للشغل باتجاه المقر الرئيسي للشركة بحي القطب المالي.
ويأتي هذا التحرك الاحتجاجي في سياق تصاعد التوتر بين عمال التوصيل وشركة “غلوفو”، على خلفية ما وصفه المحتجون بـ”الظروف المجحفة وغير الإنسانية” التي تفرضها الشركة على العاملين، مطالبين بتحسين شروط العمل واحترام الحقوق الدستورية، وعلى رأسها الحق في التنظيم النقابي، والكرامة في التعامل، والسيادة الوطنية.
رفع المحتجون شعارات تطالب بوقف ما وصفوه بـ”عبودية المنصة الرقمية”، داعين إلى “تمكينهم من حماية قانونية وشروط عمل تضمن الحد الأدنى من العيش الكريم”، بدل استمرار العمل تحت صفة “المقاول الذاتي”، التي يرون فيها تحايلاً قانونياً يُفقدهم كل الحماية الاجتماعية والاقتصادية.
وفي تصريح له بالمناسبة، قال عادل بوهوش، عضو اللجنة النقابية لعمال المنصات الرقمية التابعة للاتحاد المغربي للشغل، إن “غلوفو تتعامل مع تطبيق يظهر خريطة المغرب مبتورة، وهو ما يمثل اعتداءً سافراً على السيادة الوطنية”. وأضاف: “نطالب بوقف هذه المهزلة فوراً، وبفتح حوار جاد مع الشركة لإنصاف العمال، بدل استمرار سياسة الآذان الصماء”.
انتقد المحتجون النظام الجديد الذي اعتمدته الشركة، والذي حدد أجرة التوصيل في ستة دراهم فقط، معتبرين أن هذا المبلغ لا يوازي المجهود المبذول ولا يضمن الحد الأدنى من العيش الكريم، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار الوقود وقطع الغيار. كما نددوا بما يعرف بـ”الطلبيات المجمعة”، التي تفرض عليهم توصيل عدة طلبيات في نفس الجولة دون زيادة مقابلة في الأجر.
وأكد بوهوش عضو اللجنة النقابية لعمال المنصات الرقمية بالاتحاد المغربي للشغل ،أن “العمال يطالبون بإعادة التطبيق إلى صيغته السابقة، مع فتح باب التفاوض من أجل رفع التسعيرة وضمان حقوقهم الاجتماعية والمهنية”.
أشار المتحدث النقابي أيضاً إلى ما وصفه بـ”المنع الممنهج” الذي يتعرض له العمال من طرف الشركة حين يحاولون تأسيس أطرهم النقابية، معتبراً أن ذلك يشكل “انتهاكاً صارخاً للدستور المغربي، الذي يضمن الحق في الانتماء النقابي والتنظيم”.
وقد عرفت الوقفة الاحتجاجية تعبئة أمنية كبيرة، حيث منعت السلطات المحتجين من التحرك في مسيرة نحو مقر الشركة، تفادياً لأي تصعيد أو شلل محتمل لحركة السير. ورغم الطوق الأمني، حرص المحتجون على إيصال رسالتهم عبر شعارات سلمية، أكدت رفضهم المساس بالوحدة الترابية للمملكة، وتمسكهم بمطالبهم الاجتماعية والمهنية.
في ظل هذا التصعيد، تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة تدخل السلطات المختصة من أجل فتح حوار جاد بين ممثلي عمال التوصيل وشركة “غلوفو”، لتفادي تفاقم الاحتقان الاجتماعي في قطاع يكتسي طابعاً حيوياً، خاصة مع تزايد الاعتماد على خدمات التوصيل في الحياة اليومية.
ويبدو أن المعركة التي يخوضها عمال المنصات الرقمية لا تقتصر فقط على تحسين ظروفهم المعيشية، بل تتعداها إلى الدفاع عن مبادئ وطنية ودستورية، وهو ما يمنح هذا الحراك بعداً يتجاوز المطالب المهنية إلى الدفاع عن السيادة وحقوق الإنسان في البيئة الرقمية.