الملاحظ- نورة حكيم (صحفية متدربة)
كشفت مصادر موثوقة أن لجان تفتيش تابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية، خلال مهام رقابية قامت بها بعدد من الجماعات الترابية بجهتي الدار البيضاء-سطات ومراكش-آسفي، تفاجأت باختفاء ممنهج لأرشيف إداري حساس، ما تسبب في عرقلة مباشرة مهام التدقيق والمراقبة.
وبحسب المعطيات ، فإن رؤساء جماعات وموظفين جماعيين بمصالح مختلفة تعمدوا إخفاء وثائق أرشيفية أساسية، خاصة تلك المتعلقة بقطاعات التعمير والجبايات، في ظروف وصفت بـ”الغامضة”، في وقت كانت فيه تلك الوثائق تشكل صلب المهام التفتيشية المرتبطة بالصفقات العمومية والرخص الإدارية الممنوحة خلال السنوات الأخيرة.
مصادر مطلعة أكدت أن بعض مسؤولي المصالح الجماعية حاولوا تبرير ضياع الوثائق بحوادث “سرقة مجهولة”، ما أثار استغراب لجان التفتيش التي دونت ملاحظات صارمة في تقاريرها بشأن وجود شبهات واضحة لمحاولة طمس معالم خروقات تدبيرية خطيرة.
وتتعلق الوثائق المختفية، وفق التسريبات، بملفات حساسة منها: رخص بناء مشبوهة، صفقات موجهة لشركات “محظوظة”، وعقود كراء مرافق جماعية حيوية، نُفذت خارج المساطر القانونية، إلى جانب سجلات جرد وتحصيل للرسم على الأراضي الحضرية غير المبنية، ما يُعزز فرضية وجود تواطؤ داخلي هدفه التستر على اختلالات متراكمة.
امتدت قائمة الوثائق “المحجوبة” لتشمل تراخيص مشاريع سكنية، استثناءات عمرانية تتعلق ببناء مرافق عمومية، وصفقات تهيئة وتعبيد طرق استفادت منها شركات بعينها على مدى سنوات. وتفيد المعطيات بأن بعض هذه الشركات حصلت على وصولات تسليم نهائي للأشغال دون خضوعها لأي مراقبة تقنية أو تقييم لجودة الإنجاز.
وتضيف ذات المصادر أن بعض العقود المختفية تخص كراء الأسواق الأسبوعية، مواقف السيارات، المنتزهات البلدية، وحتى سندات استهلاك المحروقات، ما يطرح علامات استفهام حول إمكانية تفويت تلك المرافق لأشخاص مقربين من مسؤولي الجماعات بأثمنة رمزية، ووسط غياب شبه تام للشفافية والمراقبة.
رغم أهمية الأرشيف في إثبات الحقوق وتكريس مبدأ المسؤولية، أظهرت التحقيقات أن تعامل عدد من المسؤولين الجماعيين مع هذا المرفق يتسم بـ“استهتار كبير”، حيث تعجز الجماعات الترابية، خاصة الحضرية منها، عن توفير الوثائق الأساسية المتعلقة بمصالح المواطنين أو المشاريع العامة عند الطلب.
الموضوع شكل محور نقاشات حادة داخل دورات جماعية استثنائية، حيث طالب نواب رؤساء الجماعات بفتح تحقيق إداري وقضائي فوري، فيما وردت شكايات من بعض المنتخبين تشير إلى احتمال وجود تلاعبات هدفها تضليل لجان التفتيش وتعطيل مسارات المحاسبة.
في ظل هذه التطورات، ارتفعت أصوات من داخل المجتمع المدني وهيئات المراقبة تدعو إلى إحالة الملف على القضاء وفتح تحقيق معمق لتحديد المسؤوليات، واستدعاء رؤساء الجماعات المعنيين والموظفين المتورطين، خاصة في ظل تزايد المؤشرات على وجود شبكات فساد محلية منظمة تعمل على تقويض مبادئ الحكامة المحلية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
ويأتي هذا في وقت يلح فيه الخطاب الرسمي على تعزيز الشفافية في تسيير الشأن العام المحلي، وتكريس مبادئ النزاهة في إدارة المال العام، مما يجعل هذا الملف اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على مواجهة الفساد داخل المؤسسات الجماعية.