الملاحظ من الرباط
لقد تلقّت الفيدرالية الدولية للصحافيين مؤخرًا بيانًا من أحد أعضائها، النقابة الوطنية للصحافة المغربية، يطالب بالتدخل العاجل فيما وُصِف بـ”مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة”. وجاء في البلاغ أن المشروع يمس بمبادئ الشفافية والديمقراطية والاستقلالية، وهي مبادئ جوهرية في أي نظام للتنظيم الذاتي للمهنة.
غير أن التدقيق في حيثيات هذا الطلب يثير تساؤلات كبيرة. فالفيدرالية، واستنادًا إلى قانونها الأساسي، تركّز عملها على ثلاثة محاور رئيسية: تحسين الوضع المادي للصحافيين، والدفاع عن حرية الصحافة، والتصدي للاعتداءات عليهم. أما موضوع التنظيم الذاتي للمهنة، فهو شأن داخلي في العادة لا تدخل فيه الفيدرالية إلا بناءً على طلب رسمي من نقابة محلية، وهو ما حصل في هذه الحالة.
وقد استند الطلب إلى ادعاءات مفادها أن “حوالي 400 صحافي” نظموا وقفة احتجاجية أمام البرلمان المغربي. بيد أن الصور وتسجيلات الفيديو مشاهدات الشهود تؤكد أن العدد الفعلي للمتظاهرين لم يتجاوز الستين شخصًا، بينهم عدد غير واضح من الصحافيين، بل إن كثيرين من الحاضرين كانوا موظفين وعمالاً من قطاعات أخرى.
واللافت أن الفيدرالية، طوال تاريخها، لم تتدخل في نقاشات التنظيم الذاتي للصحافة في دول أخرى، حتى في الحالات التي وصل فيها الجدل إلى أعلى المستويات. ففي بريطانيا، على سبيل المثال، لم تُدْلِ الفيدرالية برأي في تقرير ليفسون رغم معارضة نقابة الصحافيين البريطانيين – العضو في الفيدرالية – لنظام “إيبسو” الذي أُقيم آنذاك. كما أن دولًا مثل الولايات المتحدة وأستراليا وبلجيكا وكندا وفرنسا، شهدت نقاشات حادة في هذا الشأن دون أن تطلب نقاباتها تدخل الفيدرالية.
الأمر الذي يثير القلق هنا هو توقيت هذا التحرك والسياق السياسي الذي يحيط به. فالمغرب يمر بلحظة سياسية ودولية حساسة، لا سيما فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، أمام الأمم المتحدة. ويبدو أن بعض الأطراف يحاول استغلال بيان الفيدرالية لتقديم صورة مشوهة عن وضع حرية الصحافة في البلاد، رغم أن المشروع المذكور لا يتضمن أي مقتضيات تقيد حرية التعبير أو العمل الإعلامي.
ويبقى السؤال الأهم: لماذا لجأت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، تحت قيادة عبد الكبير اخشيشن، إلى تحريض منظمة دولية للتدخل في شأن مهني محض، في وقت كان من الممكن معالجته عبر الحوار الداخلي بين المهنيين؟ يبدو أن هذا التصوير جزء من استراتيجية “الأرض المحروقة” التي يتبعها رئيس النقابة، والذي حول مؤسسة وطنية إلى ساحة لصراع غير مبرر، مستخدمًا تقارير مضللة وأعدادًا مبالغًا فيها لتبرير تدخل خارجي في مسار تشريعي وطني.

