هيئة حقوقية تُطالب الحكومة بعدالة اجتماعية حقيقية تُكرّس الحقوق وتحقق الكرامة

الملاحظ من الرباط
وجهت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية الذي يصادف 20 فبراير من كل سنة، من أجل عدالة اجتماعية حقيقية تُكرّس الحقوق وتحقق الكرامة.
وفي ما يلي رسالة العصبة كما توصلت بها صحيفة الملاحظ:
السيد رئيس الحكومة المحترم،
تحية احترام وتقدير،
بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، الذي يصادف 20 فبراير من كل سنة، تتوجه العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان إليكم بهذه الرسالة المفتوحة، إدراكًا منها لحجم التحديات التي تواجه بلادنا في تحقيق العدالة الاجتماعية، ووعياً منها بضرورة تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لفئات واسعة من المواطنين الذين يعانون من الفقر والتهميش والفوارق الاجتماعية الصارخة.
إن العدالة الاجتماعية ليست مجرد شعار يُرفع في المناسبات، بل هي التزام دستوري وأخلاقي يفرض على الدولة اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان المساواة والكرامة لجميع المواطنين، وفقًا لما نصّ عليه دستور المملكة والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب. إلا أن الواقع، للأسف، يكشف عن اختلالات عميقة تعيق تحقيق هذا الهدف، حيث لا تزال فئات عريضة من الشعب المغربي تعاني من البطالة، وضعف الأجور، وتردي الخدمات الاجتماعية، وارتفاع تكاليف المعيشة، في ظل اقتصاد غير منصف يعمّق الفجوة بين الفئات الغنية والفقيرة.
أولًا: الواقع الراهن للعدالة الاجتماعية في المغرب
لقد أظهرت التقارير الوطنية والدولية أن المغرب يواجه تحديات هيكلية في تحقيق العدالة الاجتماعية، ومن أبرزها:
1. تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية
تشير المعطيات إلى أن نسبة كبيرة من الثروة الوطنية تتركز في يد أقلية من الشركات والعائلات الثرية، في حين يعيش ملايين المغاربة في ظروف صعبة. وقد زاد هذا الوضع تأزمًا بفعل ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
2. ضعف سياسات التشغيل وارتفاع معدلات البطالة
لا تزال البطالة من أبرز التحديات التي تواجه الشباب المغربي، حيث يُسجَّل معدل بطالة مرتفع، خاصة في صفوف حاملي الشهادات. كما أن القطاع غير المهيكل يظل الملاذ الوحيد لعدد كبير من المواطنين، ما يحرمهم من الحماية الاجتماعية وظروف العمل اللائقة.
3. اختلالات في النظام التعليمي وضعف تكافؤ الفرص
رغم الإصلاحات التي شهدها قطاع التعليم، فإن المدرسة العمومية لا تزال تعاني من مشاكل بنيوية، تتجلى في ضعف جودة التعليم، وعدم ملاءمته مع متطلبات سوق الشغل، وارتفاع نسب الهدر المدرسي، مما يفاقم من حدة التفاوتات الاجتماعية.
4. نظام صحي هش وفجوة في الولوج إلى الخدمات الصحية
يعاني قطاع الصحة من نقص في الموارد البشرية وضعف البنية التحتية، ما يجعل الحصول على العلاج حقًا صعب المنال لفئات واسعة من المواطنين، خاصة في المناطق القروية والنائية.
5. الحق في السكن اللائق
رغم البرامج الحكومية الرامية إلى الحد من السكن العشوائي، لا تزال أزمة السكن تشكل تحديًا كبيرًا، حيث يعاني المواطنون من ارتفاع أسعار العقارات وضعف القدرة الشرائية، مما يحول دون حصولهم على سكن لائق يحفظ كرامتهم.
ثانيًا: التحديات الراهنة وأثرها على العدالة الاجتماعية
إن استمرار هذه الاختلالات يهدد الاستقرار الاجتماعي، ويكرس الإقصاء والتهميش، مما يفرض على الحكومة اعتماد سياسات أكثر جرأة وفعالية لتحقيق العدالة الاجتماعية. وفي هذا السياق، نُذَكِّرُكم، السيد رئيس الحكومة، ببعض التحديات الكبرى التي تواجه بلادنا:
• تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسية وضعف الأجور، مما يزيد من معدلات الفقر والحرمان.
• غياب العدالة الجبائية، حيث لا تزال الفئات المتوسطة والفقيرة تتحمل العبء الأكبر من الضرائب، في حين تستفيد الشركات الكبرى والمستثمرون من إعفاءات ضريبية سخية.
• ضعف سياسات الحماية الاجتماعية، إذ رغم تعميم التغطية الصحية، لا تزال الفئات الهشة تواجه صعوبات في الاستفادة منها فعليًا، بسبب نقص الأطباء وضعف الخدمات الطبية.
• تفاوت التنمية بين الجهات، حيث تظل بعض المناطق محرومة من المشاريع التنموية وفرص التشغيل، مما يدفع الشباب إلى الهجرة الداخلية أو الخارجية بحثًا عن حياة أفضل.
ثالثًا: مقترحات لتعزيز العدالة الاجتماعية
انطلاقًا من التزام العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بمبادئ العدالة الاجتماعية، وحرصها على تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، فإننا نقترح على الحكومة اتخاذ التدابير التالية:
1. إصلاح نظام الأجور لضمان حد أدنى للأجور يواكب تكاليف المعيشة، والحد من الفجوة بين الأجور العليا والدنيا في القطاعين العام والخاص.
2. إطلاق برامج قوية لدعم التشغيل، خاصة لفائدة الشباب وخريجي الجامعات، من خلال تحفيز الاستثمار في القطاعات المنتجة، وتشجيع المقاولات الناشئة، وإصلاح منظومة التكوين المهني.
3. تعزيز العدالة الجبائية من خلال فرض ضرائب تصاعدية على الثروة، وتقليص الامتيازات الضريبية غير المبررة، وإعادة توزيع المداخيل الضريبية بشكل يحقق الإنصاف.
4. إصلاح التعليم عبر تحسين جودة المدرسة العمومية، وتوفير تعليم مجاني وجيد للجميع، وضمان تكافؤ الفرص بين أبناء الفئات الغنية والفقيرة.
5. إصلاح المنظومة الصحية بتخصيص ميزانية أكبر للقطاع، وتحفيز الأطباء للعمل في المناطق القروية، وضمان مجانية العلاج للفئات الهشة.
6. تطوير سياسات السكن الاجتماعي من خلال تقديم دعم مباشر للأسر ذات الدخل المحدود، وتعزيز برامج الإسكان منخفض التكلفة.
7. إقرار سياسات تنموية عادلة تضمن توزيعًا متوازنًا للاستثمارات بين الجهات، وتوفير فرص الشغل والخدمات الاجتماعية في المناطق المهمشة.
8. مكافحة الفساد والاحتكار عبر تشديد الرقابة على الأسواق، وتعزيز الشفافية في تدبير الموارد العمومية، وضمان محاسبة المتورطين في الفساد الاقتصادي.
رابعًا: العدالة الاجتماعية كمدخل لتعزيز الاستقرار والتنمية
السيد رئيس الحكومة،
إن تحقيق العدالة الاجتماعية ليس ترفًا سياسيًا، بل هو ركيزة أساسية للاستقرار والتنمية، وأي تأخير في معالجة الاختلالات القائمة سيؤدي إلى تعميق الأزمات الاجتماعية، وخلق مزيد من الاحتقان، مما قد يؤثر سلبًا على الاستقرار العام.
إننا في العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان نؤكد أن العدالة الاجتماعية ليست مجرد سياسة عمومية، بل هي حق أساسي لكل مواطن، والتزام يجب أن تتحمله الحكومة بكامل الجدية والمسؤولية.
وفي هذا السياق، نطالبكم، السيد رئيس الحكومة، بوضع العدالة الاجتماعية في صلب الأولويات الوطنية، واتخاذ قرارات جريئة وشجاعة تعيد الثقة للمواطنين، وتضمن لهم العيش الكريم، وتُرسّخ مبدأ تكافؤ الفرص.
ختامًا
إن اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو فرصة لتقييم السياسات العمومية، وتصحيح المسار نحو نموذج تنموي أكثر إنصافًا. لذا، فإننا ندعوكم، السيد رئيس الحكومة، إلى التفاعل الإيجابي مع مطالبنا، والانخراط في حوار وطني حقيقي حول العدالة الاجتماعية، يُشرك كافة الفاعلين، ويؤسس لرؤية جديدة تُلبي تطلعات المغاربة في العيش بكرامة.
وتفضلوا، السيد رئيس الحكومة، بقبول فائق التقدير والاحترام.
العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان
حرر بتاريخ: 20 فبراير 2025