الملاحظ – نورة حكيم (صحفية متدربة)
في خضم التحولات الاقتصادية التي يشهدها العالم، يبرز المغرب كنموذج إفريقي فريد استطاع أن يصنع لنفسه موقعًا متميزًا على خارطة الاستثمارات الدولية. ليس فقط بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي، ولكن أيضا بفضل إرادة سياسية واضحة في تحويل هذا الامتياز الطبيعي إلى رافعة اقتصادية متكاملة.
لقد أعاد المغرب تشكيل صورته الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، متخليًا عن النماذج التقليدية ومقبلًا على إصلاحات جذرية شملت تبسيط المساطر الإدارية، وتحسين مناخ الأعمال، وتطوير البنيات التحتية، مما جعله يتبوأ مكانة متقدمة في أعين المستثمرين العالميين.
لم تعد مدن مثل الدار البيضاء ومراكش مجرد وجهات سياحية فحسب، بل أصبحت منصات اقتصادية نشطة تستقطب الشركات والمقاولين من شتى أنحاء العالم. فالدار البيضاء، برؤية مستقبليّة تُزاوج بين الاقتصاد الرقمي والخدمات المالية، تحولت إلى قطب اقتصادي رائد في المنطقة، فيما رسّخت مراكش مكانتها كوجهة للأعمال والاستثمار في قطاعات متعددة.
لكن سرّ هذه الدينامية لا يختزل فقط في البنيات أو الامتيازات الضريبية، بل يتجلى في قدرة المغرب على قراءة المتغيرات الجيو-اقتصادية واستثمار موقعه الفريد كممر استراتيجي بين ثلاث قارات: أوروبا، إفريقيا، والشرق الأوسط. هذه الوضعية الجغرافية عزّزت من جاذبية المملكة، لا فقط كمركز إنتاج، بل كنقطة انطلاق نحو أسواق ناشئة وواعدة.
كما أن المغرب لم يكتفِ بالرهان على الموقع الجغرافي، بل عزّز حضوره باتفاقيات تجارية دولية تُيسّر ولوج المستثمرين إلى أسواق تضم مئات الملايين من المستهلكين، مما يجعل من المملكة خيارًا ذكيًا لكل من يطمح إلى التوسع القاري دون المجازفة بخسائر تشغيلية أو لوجستية.
في السياق ذاته، تُسهم الشبكات اللوجستية الحديثة، والموانئ الكبرى مثل طنجة المتوسط، في تسهيل عمليات التبادل التجاري وتوفير بيئة تنافسية ذات معايير عالمية، ما يعزز ثقة المستثمرين ويُرسخ مكانة المغرب كمركز جذب اقتصادي إقليمي.
إن التجربة المغربية في هذا الإطار ليست مجرد مصادفة أو حظ عابر، بل هي ثمرة تخطيط استراتيجي طويل الأمد، نجح في مزج المعطى الجغرافي بالإصلاح الاقتصادي، وفي توجيه الموارد الوطنية نحو أفق تنموي يراهن على جذب الرأسمال المنتج بدل الاقتصار على الاستهلاك.
وإذا استمرت هذه الدينامية على نفس الوتيرة، فإن المغرب لن يظل فقط بوابة لإفريقيا، بل سيصبح أحد أقطاب الاقتصاد العالمي الذي يُعيد رسم خريطة الاستثمار في الجنوب المتوسطي.