توري باتشيكو.. حين يتحوّل حادث فردي إلى وقود لخطاب الكراهية ضد المغاربة

الملاحظ – نورة حكيم (صحفية متدربة)                             

في بلدة توري باتشيكو الواقعة جنوب شرق إسبانيا، شهدت الأيام الأخيرة تصعيداً مقلقاً في منسوب الكراهية والتمييز ضد المهاجرين، وخصوصاً أفراد الجالية المغربية، بعد تداول فيديو يُظهر اعتداءً جسديًا على رجل مسن يبلغ من العمر 68 عامًا. ورغم أن التحقيقات الأمنية لم تُثبت بعد هوية جميع المتورطين، إلا أن ما جرى استغلاله بسرعة كبيرة من قبل تيارات اليمين المتطرف، كان كافياً لإطلاق موجة تحريض غير مسبوقة ضد المهاجرين، وتحويل واقعة معزولة إلى حملة ممنهجة تستهدف المكون المغربي في المدينة.

وقعت الحادثة يوم 9 يوليوز 2025، حيث تعرّض مواطن إسباني مسنّ لاعتداء من قبل مجموعة من الشبان، يُشتبه في أن بعضهم من أصول مغاربية. وتم نقل الضحية إلى المستشفى، حيث خضع للعلاج بعد إصابات متوسطة. ومع أن التحقيقات لا تزال جارية، قامت السلطات بتوقيف عدد من المشتبه فيهم، بينهم قاصرون ومواطنون من أصول غير إسبانية، فيما دعت فعاليات مغربية بإسبانيا إلى التريث وعدم تسييس القضية أو توظيفها عرقياً.

لكن التيارات المتطرفة، وعلى رأسها حزب فوكس (VOX) ومجموعات يمينية مثل “Deport Them Now”، لم تنتظر نتائج التحقيقات، وسارعت إلى نشر معلومات مضللة، وصور وفيديوهات قديمة، وربطت الجريمة على الفور بالمهاجرين المغاربة، في محاولة لإشعال نار الفتنة المجتمعية.

شهدت البلدة خلال ليلتين متتاليتين أعمال عنف واحتجاجات استهدفت الجالية المغاربية. هاجم متطرفون متاجر عربية ومقاهي، وخرجت مسيرات ليلية هتف فيها البعض: “حان وقت الصيد”، و”يجب تنظيف شوارعنا”. وتم الاعتداء على أشخاص لمجرد ملامحهم أو لغتهم، كما أغلقت العديد من الأسر المغربية أبوابها خوفًا من التعرض لهجمات.

منظمات المجتمع المدني الإسباني نددت بما أسمته “مطاردة عنصرية”، معتبرة أن ما يحدث يُنذر بتكرار سيناريوهات مأساوية مثل ما حدث في مدينة إل إخيخو (El Ejido) سنة 2000، حين تعرض مئات المغاربة للاعتداء والتخريب بعد جريمة فردية أخرى.

ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج الأزمة بشكل ملحوظ. فقد انتشرت فيديوهات كاذبة، وتسجيلات لا علاقة لها بالحادثة، وتم تداول تصريحات محرفة من جهات رسمية. ومن بين أكثر الجهات تأثيراً كانت صفحات محسوبة على أقصى اليمين، مثل حساب “آلفيز بيريز” ومجموعة “Deport Them Now”، التي وصفها مراقبون بأنها من أخطر المنصات التحريضية في إسبانيا حالياً.

رئيس بلدية توري باتشيكو نفى أن تكون هناك أي تعليمات رسمية ضد المهاجرين، واعتبر أن صوراً مفبركة تنتشر عبر “تيليغرام” ساهمت في خلق مناخ الخوف والكراهية. من جهته، أكد وزير الداخلية الإسباني أن الجريمة يجب أن تبقى في إطارها القانوني، وأن التحريض ضد المهاجرين لن يتم التساهل معه.

يُشكل المغاربة حوالي 30% من سكان بلدة توري باتشيكو، وهم من أبرز ركائز القطاع الزراعي في المنطقة. يعيشون في المدينة منذ سنوات، ويتمتعون بتقدير عدد كبير من السكان الأصليين، الذين نددوا بدورهم بمحاولات وصم الجالية وتحميلها مسؤولية أحداث فردية.

فعاليات مغربية أعربت عن قلقها من تصاعد الكراهية، لكنها شددت على أهمية التهدئة والحفاظ على السلم المجتمعي، محذّرة من أن السكوت عن هذه الخطابات يُمكن أن يقود إلى تفكك النسيج الاجتماعي المحلي، وزيادة حالات العنف والتمييز.

استجابت السلطات الإسبانية بشكل سريع، حيث أرسلت وزارة الداخلية تعزيزات أمنية من الحرس المدني، وتم فتح تحقيق في الحادثة الأصلية، وكذلك في الاعتداءات التالية التي طالت المهاجرين. كما فتحت النيابة العامة ملفات قضائية ضد جهات يُشتبه في تحريضها على الكراهية، خصوصاً شخصيات محسوبة على حزب فوكس، وبعض المجموعات الإلكترونية المتطرفة.

السلطات وعدت باتخاذ إجراءات لحماية الجالية، وفرض القانون على كل من يحاول زرع الفتنة، سواء كان مهاجراً أو مواطناً إسبانياً.

إن تحويل جريمة فردية معزولة إلى ذريعة للتحريض على فئة بأكملها من المواطنين هو انزلاق خطير يهدد القيم الديمقراطية والتعايش السلمي في المجتمعات الأوروبية. الجالية المغربية، التي كانت دائمًا عنصر استقرار ومساهمة اقتصادية واجتماعية، تستحق الحماية من هذا النوع من الاستهداف الممنهج. ويبقى الأمل معقودًا على وعي المجتمع الإسباني، وصرامة الدولة في حماية التعدد والعدالة والعيش المشترك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

24 ساعة

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist