ضغوط العمل داخل السجون… مأساة موظف تكشف معاناة صامتة في سلوان

الملاحظ نورة حكيم (صحفية متدربة)

شهد حي العمران بجماعة سلوان، التابعة لإقليم الناظور، يوم السبت الأخير، حادثة مأساوية تمثلت في محاولة انتحار موظف يعمل بالسجن المحلي بسلوان، بعد أن ألقى بنفسه من الطابق الرابع في ظروف صادمة. وقد تدخلت عناصر الدرك الملكي بسرعة ومهنية عالية، لتفادي وقوع الكارثة، حيث تمكنت من ثني الموظف عن تنفيذ محاولته، قبل أن يتم نقله لاحقًا إلى مستشفى الأمراض العقلية والنفسية بمدينة العروي لتلقي الرعاية اللازمة.

وأفادت مصادر طبية بأن الموظف كان يعاني من اضطرابات نفسية حادة، الأمر الذي تطلب إخضاعه لفحوصات مكثفة وتقييم دقيق لحالته النفسية. غير أن هذه الحادثة الفردية لم تكن إلا انعكاسًا لمشكلة أعمق تعاني منها شريحة كبيرة من موظفي إدارة السجون في المنطقة.

معطيات متوفرة تفيد بأن الضغط النفسي بات سمة يومية تلازم موظفي السجن المحلي بسلوان، في ظل ظروف مهنية مرهقة ومناخ عمل يتسم بالتوتر المستمر وغياب الدعم المؤسسي الفعال. وقد بلغ عدد الشهادات الطبية ذات الصبغة النفسية التي حصل عليها موظفون خلال شهر واحد فقط أكثر من عشر حالات، ما يؤكد وجود أزمة حقيقية تتطلب تدخلًا عاجلًا.

وحسب نفس المصادر، يعاني العديد من العاملين بالمؤسسة من إهمال متواصل فيما يخص الاستماع إلى مشاكلهم المهنية والنفسية، حيث لا تتوفر آليات فعالة داخل السجن للتعامل مع الشكاوى والضغوط التي يتعرض لها الموظفون. وتزداد حدة المعاناة في ظل غياب خدمات الدعم النفسي المنتظم، والتكوين المستمر في كيفية التعامل مع التوتر والإجهاد الوظيفي.

يُجمع عدد من المهنيين والمتخصصين في علم النفس المهني أن العمل في المؤسسات السجنية يُعد من بين أكثر المهن المرهِقة نفسيًا، نظرًا للتعامل اليومي مع نزلاء يعانون من اضطرابات سلوكية، وضغوطات أمنية، وعبء إداري متواصل. وفي ظل ضعف التحفيز المعنوي، وقلة الموارد البشرية، وانعدام برامج الدعم النفسي داخل بعض المؤسسات، تصبح بيئة العمل أرضًا خصبة لانفجار الأزمات الفردية والجماعية.

الحادثة المؤلمة التي هزت الرأي العام المحلي بسلوان أعادت إلى الواجهة الحاجة الماسة إلى إعادة تقييم شامل لظروف عمل موظفي السجون، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستوى الوطني أيضًا. فسلامة الموظف النفسية والجسدية لا تقل أهمية عن سلامة السجين، إذ إن الحفاظ على توازن الطاقم الإداري والأمني هو عنصر أساسي في استقرار المؤسسة السجنية برمتها.

وعليه، بات من الضروري اتخاذ إجراءات فورية وملموسة، تشمل:

  • توفير خدمات الدعم النفسي والإرشاد بشكل دوري.
  • إنشاء خلايا إنصات داخل المؤسسات السجنية.
  • مراجعة نظام العمل وتخفيف الضغط المهني.
  • تدريب الموظفين على تقنيات إدارة التوتر والوقاية من الانهيار النفسي.
  • تعزيز الحوار بين الإدارة والموظفين لضمان بيئة عمل صحية وآمنة.

ان حادثة محاولة الانتحار الأخيرة ليست سوى ناقوس خطر يستوجب الإصغاء والانتباه. فصحة موظفي السجون لا يجب أن تبقى رهينة للصمت والإهمال، بل يجب أن تكون محورًا لسياسات عمومية تستند إلى مقاربة إنسانية وتشاركية. فحماية من يحمون المؤسسة، تبدأ من الاعتراف بمعاناتهم وتوفير ما يلزم لضمان استقرارهم النفسي والمهني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

24 ساعة

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist