دراسة جديدة تسائل العلاقة بين الشباب المغربي والعمل السياسي وتدعو إلى إصلاحات تشريعية ومؤسساتية عميقة

الملاحظ – نورة حكيم (صحفية متدربة)

سلّط العدد الثاني من المجلة العلمية “قضايا الشباب”، الصادرة عن وزارة الشباب والثقافة والتواصل (قطاع الشباب)، الضوء على انشغالات الشباب المغربي في عدد من المجالات الحيوية، من ضمنها المشاركة السياسية والهجرة والعمل التطوعي والثقافي، إضافة إلى النظام القانوني المنظم لمؤسسات الشباب.

وتوقفت إحدى الدراسات الرئيسية في هذا العدد، من توقيع الباحث جمال الشعاري بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالمحمدية، عند التحديات البنيوية التي تعيق انخراط الشباب المغربي في العمل السياسي، مؤكدة أن المدخل الأساس لتصحيح هذه العلاقة يتمثل في إجراء مراجعة نقدية داخل الأحزاب، وتشبيب نخبها، وتمكين الشبيبات الحزبية من استقلالية فعلية في التسيير والتمثيلية.

ورصدت الدراسة استمرار أزمة الثقة بين الشباب والمشهد السياسي، مرجعة ذلك إلى ما وصفته بـ”شخصنة الأحزاب” وبقاء قيادات سياسية لفترات طويلة على رأس هياكلها، وهو ما أدى إلى انشقاقات أضعفت عدداً من التنظيمات الحزبية وأفقدتها جاذبيتها لدى فئة الشباب.

وأشارت الوثيقة إلى أن هذه الوضعية لا تعكس ضعف الوعي السياسي لدى الشباب فقط، بل أيضاً تقصير الأحزاب في القيام بأدوارها التأطيرية، معتبرة أن تشجيع الشباب على العمل السياسي لا يمر عبر الشعارات أو الحملات الظرفية، بل عبر إصلاحات مؤسساتية وتشريعية حقيقية تجعلهم في صلب إدارة الشأن العام محلياً ووطنياً.

وشددت الدراسة على ضرورة مراجعة التقطيع الانتخابي المعتمد حالياً، واعتماد نمط اقتراع أكثر عدالة، يضمن تمثيلية منصفة للشباب داخل المؤسسات المنتخبة، داعية إلى تمكين اللجان الانتخابية المستقلة من صلاحيات موسعة لضمان نزاهة العمليات الانتخابية.

كما نبّهت إلى تأثير توقيت الانتخابات، الذي غالباً ما يتزامن مع العطل الصيفية، وكذا عدم توزيع عدد كبير من البطاقات الانتخابية، ما يحرم فئة واسعة من المشاركة، فضلاً عن تعقيد العملية الانتخابية بسبب تشابه أسماء الأحزاب وكثرة عددها، الأمر الذي يزيد من حالة العزوف.

وأبرزت الوثيقة أن الرهان الحقيقي في تمكين الشباب لا يرتبط بإحداث قوانين ظرفية أو إطلاق برامج محدودة الأمد، بل بتبني مقاربة تشاركية حقيقية تجعل من الشباب شريكاً أساسياً في بلورة السياسات العمومية، ومكوناً فاعلاً في الحقل السياسي، وليس مجرد مستهلك لها.

وأكدت أن استمرار نفس الأنساق السياسية، وغياب ثقافة الإنصات لانتظارات الشباب، وتراكم الإحباطات نتيجة ضعف التواصل بين القواعد الشابة والقيادات الحزبية، كلّها عوامل تكرّس العزوف وتؤدي إلى انسحاب هذه الفئة من الفضاء العمومي.
واستحضرت الدراسة خطاب الملك محمد السادس سنة 2012 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، الذي شدد فيه على ضرورة إدماج الشباب في السياسات العمومية من موقع الفاعل لا المتلقي، معتبرة أن هذا التوجه الملكي يُعد أساساً لبناء تعاقد جديد مع الأجيال الصاعدة، يعيد الثقة ويكفل مشاركة سياسية نوعية تعكس تطلعات شباب المغرب.

وبهذا، يضع التقرير المرفق بالمجلة العلمية “قضايا الشباب” أمام الفاعلين السياسيين والسلطات العمومية جملة من الأسئلة الجوهرية حول جدوى السياسات الحالية الموجهة للشباب، ومدى قدرتها على التفاعل مع واقعهم، وتحقيق المصالحة بينهم وبين الشأن العام، في أفق بناء دولة ديمقراطية عادلة وشاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

24 ساعة

Welcome Back!

Login to your account below

Retrieve your password

Please enter your username or email address to reset your password.

Add New Playlist