الملاحظ – نورة حكيم (صحفية متدربة)
شهدت عدة مناطق بالجنوب المغربي خلال الشهر الجاري تنظيم مجموعة من المواسم الدينية، أو “إلموكارن” بالأمازيغية، التي تستقطب آلاف الزوار من داخل المغرب وخارجه، من بينها موسم “سيدي أحمد أوموسى” بتازروالت، والموسم السنوي للشيخ ماء العينين بتيزنيت، وموسم “سيدي بوالصدقة” بالعربان السيحل، وغيرها من الاحتفالات المرتبطة بأضرحة أولياء يحظون بمكانة خاصة في المخيال الشعبي المحلي.
وتتحول هذه المواسم، التي يطلق عليها البعض “حج الفقراء”، إلى فضاءات تجمع بين الطقوس الصوفية والفولكلور المحلي، حاملة أبعاداً دينية واجتماعية واقتصادية متكاملة، إذ تساهم في الحفاظ على التدين الشعبي المعتدل ونقل القيم الروحية بين الأجيال، كما تشكل فرصة لإنعاش النشاط التجاري والحرفي المحلي، وتعزيز الأمن الروحي في مواجهة خطاب التطرف.
صالح المنقوش السملالي، فقيه المدرسة العلمية العتيقة “إلماتن” بمنطقة أنزي، أوضح أن بعض المواسم طغى عليها الطابع التجاري بعد أن كانت دينية خالصة، مشيراً إلى دورها في الحفاظ على التراث الديني من خلال قراءة القرآن والأمداح النبوية ونشر قيم إطعام الطعام، فضلاً عن إصلاح ذات البين وحل الخلافات الأسرية والقبلية قبل ظهور المحاكم الحديثة. لكنه شدد على ضرورة مراجعة بعض الممارسات السلبية، كعدم احترام آداب زيارة القبور أو استغلال المواسم لأعمال الشعوذة والسرقة، معتبراً أن ذلك لا يبرر الدعوة إلى إلغائها، بل يستوجب إصلاحها.
من جانبه، أبرز الباحث في التاريخ الديني والاجتماعي إبراهيم الطاهري أن المواسم الدينية جزء أصيل من التركيبة الاجتماعية لقبائل الجنوب، إذ ترتبط بالاحتفاء بشخصيات صوفية أو علمية بارزة، وتؤدي وظائف متعددة إلى جانب بعدها الروحي، مثل التجارة، والتعارف بغرض الزواج، وصلة الأرحام، وتقوية التضامن بين القبائل.
وتظل هذه المواسم، وفق المتحدثين، مظلة جامعة تعكس تداخل البعد الديني مع الاجتماعي والاقتصادي، وتجسد أحد مكونات الهوية الثقافية للمجتمعات القبلية في الجنوب المغربي.