بعد كرة القدم هل يستفيد التعليم من بركة بنموسى؟

بقلم: عبد الناصر ناجي
منذ سنوات والشعب المغربي ينتظر مثل هذا الحدث للخروج بكل هذه الكثافة للتعبير عن فرحته. وإذا كان لكرة القدم كل هذه القدرة على إثارة المشاعر وتحريك الأحاسيس في وجدان أبناء وبنات هذا الشعب فإنها لم تتمكن من تحقيق ما يتيح ذلك من إنجازات على المستوى العالمي منذ أكثر من 35 سنة، حينما تمكن زملاء الزاكي من بلوغ دور الثمن في مونديال المكسيك سنة 1986. فرغم ما تم ضخه من أموال في ميزانية الجامعة الملكية لكرة القدم في السنوات العشر الأخيرة، وما حظيت به من إمكانات تضاهي ما يتم توفيره للاعبين في الدول المتقدمة، فإن النتائج لم تصل إلى المستوى المطلوب إلا في هذه السنة بعد إدماج الرياضة في قطاع التعليم، وكأن بركة بنموسى كان لها نصيب الأسد في تحقيق النتائج المبهرة لأسود الأطلس في مونديال قطر 2022. صحيح أن جامعة الكرة مستقلة في تدبيرها عن الفاعل السياسي وأن الزيغ عن تطبيق هذا المبدأ يترتب عنه عقوبات من الفيفا قد تصل إلى توقيف نشاطها، لكن الوزير الوصي تبقى له صلاحيات وضع الاستراتيجيات لتطوير القطاع الرياضي ورصد الاعتمادات المالية الضرورية لمزاولة الأنشطة المرتبطة به. وبما أن المتغير الوحيد في السنة الأخيرة هو تعيين السيد شكيب بنموسى على رأس هذا القطاع بعد دمجه بقطاع التعليم فقد يعتقد الكثيرون بأن للشخص تأثيرا ظاهرا في النتائج المحققة من طرف المنتخب المغربي في الدوحة، خاصة وأن فوزي لقجع رئيس الجامعة الذي كان من الأقرب منطقيا أن ننسب إليه هذا الإنجاز، لكن الحقيقة هي أن منذ توليه زمام تدبير كرة القدم منذ حوالي تسع سنوات لم يتمكن من تحقيق أي إنجاز قاري أو عالمي للمنتخب المغربي. غير أن المتتبع المنصف لملف تدبير كرة القدم المغربية خاصة على مستوى المنتخب، لا بد أن يقف على بعض النقط البارزة التي مكنت الأضواء الكاشفة لكأس العالم من التأكيد على تأثيرها القوي في تحقيق الإنجاز المونديالي. ويمكن اعتبارها من الشروط الضرورية لنجاح كل قطاع، لعل الوزير بنموسى يستفيد منها لإنجاح إصلاح التعليم الذي يعتبر بلا مراء رافعة أساسية لنهضة الأمم وتقدمها. ويمكن إيجاز هذه الشروط فيما يلي:
أولا، تغيير القيادة غير الصالحة إما لنقص في كفاءتها أو لخلل في طريقة تدبيرها أو لعيب في سلوكها قد يؤثر على فعالية أدائها. وقد شهدنا كيف تم التخلي عن المدرب السابق للمنتخب الوطني لا لأنه لم يحقق النتائج التي تم التعاقد معه بشأنها، ولكن فقط لأن طريقة تدبيره للأمور وإصراره على نهج نفس الأسلوب الذي وإن أعطى نتائج في سياق معين لم يكن ليعطي نفس النتائج عندما يتغير السياق ويأتي بشروط تتسم بمتطلبات أعلى. غير أن المتتبع لمسار إصلاح التعليم في العشر سنوات الأخيرة يتفاجأ بغياب هذا النوع من القرارات في منظومتنا التربوية، وكأننا نطبق بالمقلوب الشعار الرياضي الذي يقول “لا ينبغي تغيير الفريق الذي يحقق الفوز”. وهكذا فرغم الفشل المعلن لجميع مبادرات الإصلاح التي تمت منذ البرنامج الاستعجالي إلى اليوم، فإن المشرفين الإداريين الأساسيين على المنظومة لم يطلهم أي تغيير، بل منهم من ظل في منصبه حتى بعد تجاوزه سن التقاعد بسنوات، وكأنهم معفيون من المساءلة أو أن البلاد لا تتوفر على الكفاءات التي يمكنها تعويضهم.
ثانيا، الاعتماد على الكفاءة أينما كانت سواء داخل المغرب أو خارجه الشيء الذي لم أفرز شبه إجماع على أن من يستحق فعلا هو من يجد مكانا له في المنتخب الوطني. وهذا هو الذي حفز اللاعبين على العطاء والتنافس الشريف فيما بينهم من أجل نيل شرف تمثيل المغرب في قطر، كما مكن من بناء الثقة بين المدرب واللاعبين وتحقيق التضامن والتآزر بين هؤلاء لاقتناعهم الشديد بأن الكفاءة وحدها هي المعيار الوحيد للتواجد ضمن لائحة الفريق. في المقابل لا يمكن الجزم بالشيء نفسه فيما يتعلق بمناصب المسؤولية في قطاع التعليم، ولعل تقارير المجلس الأعلى للحسابات كافية لتنويرنا على هذا المستوى لأنها كشفت عن مجموعة من الاختلالات التي يعود سببها الأساسي إلى ضعف في القدرات التدبيرية ونقص في الكفاءة التي كان ينبغي أن تتوفر لمن هم في هذه المناصب.
ثالثا، توفير الإمكانات الملائمة والتحفيز المناسب لتحقيق الإنجاز وذلك من خلال السخاء الواضح في رصد التمويل الكافي لضمان إعداد الفريق الوطني وفق المواصفات الدولية المعروفة في هذا المجال سواء تعلق الأمر بالبنيات التحتية والتجهيزات أو بالتنقل والإقامة أو بالمنح المخصصة للفوز في المباريات الدولية. لكن عندما نقارن الأمر مع قطاع التعليم نجد بأن أبسط الحقوق التي يطالب بها رجال ونساء التعليم لا تجد طريقها إلى الاستجابة إلا في بعض الأحيان وبعد الكثير من الاحتجاجات والاعتصامات. كما أن ربط الترقية والتحفيز بالمردودية لا زال تدبيرا غير مفعل في قطاع التعليم مما يساعد على تدني الأداء العام للأطر التربوية.
رابعا، التخطيط المحكم الذي أبان عنه قائد المجموعة وقدرته الكبيرة على ملاءمة خططه مع سياق كل مباراة ونقط قوة الخصم ونقط ضعفه. وعلى هذا المستوى يمكن أن نستبشر بتوفر قطاع التعليم على خارطة طريق تشكل أداة من أدوات التخطيط التي قد تتيح فرصة مواتية لتدارك بعض الاختلالات التي شابت المخططات التعليمية السابقة. لكن تبقى بعض النقط المهمة التي ينبغي مراعاتها في خارطة الطريق 2022-2026 كما أشرنا إلى ذلك في مقال سابق.
خامسا، سمو القيم الأصيلة مثل التضامن والتآخي والاجتهاد التي يمكن اعتبارها من الركائز التي بنى عليها المدرب وليد الركراكي طريقة تدبيره للمنتخب، وهو ما ساعد على تحقيق تلك اللحمة التي أصبح يجسدها الفريق الوطني وكأنه جسد واحد تتكامل وظائف أعضائه وتتآزر فيما بينها من أجل تحقيق هدف واحد هو رفع الراية الوطنية عاليا. لكن ما نلاحظه هو اضمحلال هذه القيم في المنظومة التربوية التي من المفروض أن تكون قدوة المجتمع وذلك راجع إلى أنها بنيت على التنافس غير الشريف بدل التعاون، وعلى الفئوية والتشرذم بدل التآخي، وعلى تشجيع الكسل والخمول بدل الحرص على العطاء المستمر والاجتهاد المتواصل.
سادسا، الاعتزاز بالانتماء للوطن الذي بدا ظاهرا عند ترديد النشيد الوطني من طرف اللاعبين والطاقم التقني للفريق في تناغم واضح مع الجماهير الغفيرة التي سافرت إلى قطر لمتابعة مقابلات الفريق الوطني. كما أن التعبير عن الفرحة بالفوز عبر الإشادة بالوطن وعبر التعبير عن مكانته في القلوب هي دلائل إضافية على مدى اعتزاز لاعبينا بوطنهم رغم ترعرع الكثيرين منهم في بلدان أخرى غير بلدهم الأصلي. ومع الأسف فإن هذه القيمة الكبرى تظل غائبة نوعا ما عن مرتادي المدرسة المغربية التي تظل في المبتدأ والمنتهى هي المؤتمنة على غرسها في نفوس الناشئة لكي يتربوا وفي قلوبهم حب غير مشروط لهذا الوطن.
سابعا، أهمية الدين ورضا الوالدين بما أنهما متلازمين في منظومتنا القيمية، وقد بدا ذلك جليا في طريقة الاحتفال بتسجيل الأهداف من خلال السجود لرب العالمين وإبراز العلاقة الطيبة بين اللاعبين وأمهاتهم وآبائهم وأثرها الإيجابي على الأداء والإنجاز، وغيرها من المظاهر التي تؤكد مركزية الدين الإسلامي في سلوكات اللاعبين. وإذا كانت منظومتنا التربوية تركز في مناهجها على هذا البعد فإنها في المقابل تشكو من بعض الاختلالات على مستوى تشبع المتعلمين والمتعلمات بالقيم الفضلى التي يحث عليها الإسلام، والتي من شأن التشبع بها أن يدعم توجه البلاد نحو نهضة تنموية مستدامة ترتكز على قيم المواطنة المستمدة من ثوابت الأمة المغربية.
نعتقد في النهاية أن تطبيق هذه الشروط السبعة في منظومتنا التربوية سيساعد على تحقيق نجاح إصلاح التعليم وتكريس قدرة الشعب المغربي على العطاء والتميز وبذلك يستفيد قطاع التعليم من بركة بنموسى كما استفاد منها قطاع الرياضة.