بقلم: خالد الشرقاوي السموني*
نص المداخلة التي تقدم بها الدكتور خالد الشرقاوي السموني ، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية، بمناسبة انعقاد الندوة الفكرية التي نظمها النادي الدبلوماسي المغربي ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب 2025 بالرباط، بعنوان ” اهتمامات الملوك العلويين بمغاربة العالم” ، يوم الثلاثاء 22 أبريل 2025 .
تقديم :
يولي جلالة الملك محمد السادس اهتماما خاصا بالمغاربة المقيمين في الخارج، إدراكا لدورهم المهم في تنمية الوطن وتعزيز الروابط بين المغرب وأبنائه في المهجر، كما يسهر على ضمان حقوقهم ومواطنتهم الكاملة، مــن حيــث تمكينهم من كافة حقوقهم الدستورية المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث ما فتئ جلالة الملك يواكب قضايا الجالية ويدافع عن حقوقها في مختلف المناسبات الوطنية.
فقد شكل جلالة الملك بحق المحامي القوي لمغاربة العالم طيلة ربع قرن .
في هذا الإطار سنحاول إلقاء الضوء على تجليات هذه العناية الملكية بالجالية من خلال التطرق إلى أبعاد الرؤية المتبصرة للعاهل المغربي في مجال تدبير شؤون الجالية المغربية بالخارج.
الخطاب الملكي بمناسبة تقلد الملك للعرش يوم 30 يوليو1999
في أول خطابه مباشرة بعد تقلده العرش في يوليو 1999، أكد جلالة الملك محمد السادس على اهتمامه الخاص بالجالية المغربية بالخارج ابعرش، حيث قال؛
” ومن الأمور التي سنوجه لها اهتمامنا الخاص قضايا جاليتنا القاطنة بالخارج والتفكير الجدي في تذليل الصعاب التي تعترض طريقها والعمل على حل مشاكلها وتمتين عرى انتمائها للوطن الأم “.
الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء يوم 6 نوفمبر 2005 .
هي المحطة التي يُـمكن اعتبارهـا ” سرعـة جـديــدة ” في مجال النهوض بحقوق أفراد الجالية المغربية و ذلك من خلال إقــرار أربــعة قــرارات مهمة و استراتيجية :
أولها : تمكين المغاربة المقيمين بالخارج من تمثيلهم، عن جدارة واستحقاق، في مجلس النواب، بكيفية ملائمة وواقعية وعقلانية.
– أما القرار الثاني، المترتب عن الأول، فيتعلق بوجوب إحداث دوائر تشريعية انتخابية بالخارج، ليتسنى لمواطنينا بالمهجر اختيار نوابهم بالغرفة الأولى للبرلمان. علما بأنهم يتمتعون، على قدم المساواة، بالحقوق السياسية والمدنية، التي يخولها القانون لكل المغاربة، ليكونوا ناخبين أو منتخبين بأرض الوطن .
– بيما يتجلى القرار الثالث في تمكين الأجيال الجديدة من الجالية ،من حق التصويت والترشيح في الانتخابات، على غرار آبائهم، تجسيدا لمبدأ المساواة في المواطنة.
ولهذه الغاية، نصدر تعليماتنا للحكومة، لاتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ هذه القرارات الثلاثة، عند مراجعتها لمنظومة الانتخابات. وسيظل هدفنا أبعد من ذلك، في التجاوب مع الطموح الكبير، لمواطنينا المقيمين بالخارج، بفتح كل فضاءات وأنماط المشاركة أمامهم.
– وأخيرا القرار الرابع، يتعلق بإحداث مجلس أعلى للجالية المغربية بالخارج، برئاسة جلالة الملك، يتم تشكيله، بكيفية ديمقراطية وشفافة، تكفل له كل ضمانات المصداقية، والنجاعة والتمثيلية الحقة ، على أن يضم أعضاء نتولى تعيينهم، من ضمن الشخصيات المشهود لها بالعطاء المتميز، في مجال الدفاع عن حقوق المغاربة المهاجرين، وعن المصالح العليا للوطن، بالإضافة إلى ممثلين عن السلطات والمؤسسات المعنية بقضاياهم.
لـقد تــرك هـذا الخطاب أثـرا عظيما في نفـوس الجالية وجعلهـم يشعرون بحق أنهم مـواطنون كاملي المواطنة.
الخطاب الملكي بمناسبة المسيرة الخضراء6 يوم نوفمبر2006
اما خطاب المسيرة لسنة 2006 و قبل حديثه عن المجلس الأعلى للجالية المغربية بالخارج ، فـقـد أعـاد التأكيـد على النهج الديمقراطي التشاركي من خلال حق المشاركة السياسية للجالية كناخبين و منتخبين في العمليات الانتخابية بارض الوطن هو ما جاء به خطاب المسيرة لسنة 2005 .
خلال هذا الخطاب ، تم تكــليف المجلس الاستشاري لحقوق الانسان باعتباره مؤسسة وطنية مستقلة و متعـددة و التي من بين مهامها الدفاع عن قضايا المغاربة بالخارج ، بإجــراء مشاورات واسعة مع كل المعنيين من قنصليات سفارات و جمعيات مجتمع مدني بالخارج و كل الفاعلين بالخارج و ذلك من أجل إبداء رأي استشاري بخصوص احداث المجلس الجديد بكيفية تجمع بين الكفاءة و التمثيلية و المصداقية و النجاعة….على ان يتولى جلالة الملك محمد السادس تنصيب هــذا المجلس خلال سنة 2007….
و بالفعل ففي 21 دجنبر من سنة 2007 نصب جلالته المجلس الجديد بظهير ملكي شريف رقم 1.07.08 ، تحت اسم مجلس الجالية المغربية بالخارج ، كمؤسسة استشارية و استشرافية..
قد شكل إحداث هذا المجلس مرحلة جديدة من أجل تحقيق المواطنة الحقة لمغاربة الخارج، وقد حدد الظهير مهمة المجلس في ضمان المتابعة والتقييم للسياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين، وتحسينها بهدف ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد، وأيضا الاضطلاع بوظائف الإحاطة بإشكاليات الهجرة واستشرافها والمساهمة في تنمية العلاقات بين المغرب وحكومات ومجتمعات بلدان إقامة المهاجرين المغاربة. حيث نصت المادة الأولى من الظهير على مايلي: ” تحدث هيئة استشارية بجانب جلالتنا الشريفة ، تسمى مجلس الجالية المغربية بالخارج يتولى إعداد الرأي لدى جلالتنا الشريفة بخصوص شؤون الهجرة و لاسيما القضايا التي تهم مواطنينا”.
ونشير في هذا الخصوص إلى أن إحداث مجلس للجالية جاء استجابة لما حققه العديد من المغاربة المقيمين بالخارج من نجاح مهني وكفاءة علمية، وتفوق في مجال الفنون والثقافة، وكذلك في العمل السياسي في بلدان الإقامة. كما من شأن هذا المجلس أن يجعل من مغاربة العالم جماعات للضغط تساعد على الدفاع عن المصالح الوطنية للمغرب في الخارج على مستوى العمل الدبلوماسي الموازي؛ ويجعل من تمثيليتهم داخله فرصة مواتية لإدماجهم في مقاربة تشاركية كقوة اقتراحية .
الدستور الجديد للمملكة لسنة 2011 : حضي مجلس للجالية المغربية بالخارج بأهمية ومكانة متميزة ضمن المؤسسات الدستورية
هذه المؤسسة ستحظى بأهمية ومكانة متميزة ضمن المؤسسات الدستورية التي نص عليها الدستور الجديد للمملكة لسنة 2011 ، و لاسيما الفصـل 163 منه ضمن الباب الثاني عشر: “الحكامة الجيدة” ، حيث حدد دورها الأساسي في ما يلي : ” يتولى مجلس الجالية المغربية بالخارج، على الخصوص، إبداء آرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه “.
وقد توج اهتمام العاهل المغربي برعاياه المقيمين بالخارج وحرصه على العناية بهم بإفراد جزء هام من فصول دستور 2011 لهذه الفئة، خاصة ما جاء الفصول 16 و17 و18 و163 ، من حيث حرص جلالته على تكريس حماية حقوق الجالية سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، حيث يشكل الفصل 17 من الدستور على الخصوص ثورة جديدة للدولة في تعاملها مع المواطنين القاطنين في الخارج ، خاصة حقهم في المواطنة الكاملة ، و الفصل 18 الذي يؤكد على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين بالخارج في المؤسسات الاستشارية، و هيئات الحكامة الجيدة التي يحدثها الدستور أو القانون.
فبمقتضى الدستور الجديد، أصبح للمغاربة المقيمين بالخارج الحق في المواطنة الكاملة، والمشاركة في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة، كما أصبح بإمكان المشاركة في تنمية بلدهم بالموازاة مع بلد الاستقبال، والدفاع عن المصالح الوطنية، وتقديم خبراتهم خدمة لصالح المغرب، والمساهمة في تقوية علاقات التعاون بين دول الإقامة والمملكة المغربية، وجلب الاستثمارات وإنجاح الأوراش التي تشهدها بلادنا.
الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش يوم 30 يونيو 2015: عناية ملكية متبصرة تهدف إلى حماية حقوق الجالية وتعزيز ارتباطها بالوطن
في خطابه بمناسبة عيد العرش لسنة 2015، شدد جلالة الملك على ضرورة الارتقاء بجودة الخدمات المقدمة للجالية، حيث وجه تعليماته إلى البعثات الدبلوماسية والقنصلية لتسهيل الإجراءات الإدارية، وتحسين ظروف الاستقبال، وضمان احترام حقوق المغاربة في الخارج.
سيستمر الاهتمام بملفات الجالية وبمشاكلها وبالثناء عليها وعلى ما تقوم به لصالح الوطن ومساهمتهم في التنمية الاجتماعية…في كل المناسبات والخطب و الرسائل الـملكية، لنصل إلى محطة خطاب ذكرى المسيرة الخضراء 6 نوفمبر 2005.
الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك و الشعب يوم 20 غشت 2016 : دعــوة مغاربة العالـــم إلى التشبث بالــدين الإسلامي الوسطي
عرفت سنة 2016 أحداثا إرهابية باسم الديــن الاسلامي و باسم الجهــاد، و التي كانت ساحتهـا هي بعض الدول الأوروبية حيث يُـقيــم الــقسم الأكبر من مغاربة العــالــم. في هذا الاطار، حيث أطلق أميــر المؤمنين الملك محمد السادس عبــارة ” كلنا مستهدفـــون ” ؛ و دعــا مغاربة العالـــم إلى التشبث بالــدين الإسلامي الوسطي والحفاظ على السمعة الطيبة للمغرب وللمسلمين والـــدفاع عن السلــم والعيش المشترك داخل مجتمعات الإقامــة، ولهـــم في نموذج التعايش بين الحضارات في الأندلس واحدة من النقــاط المنيرة في التاريخ الإسلامي.
الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 2022 : تحديث وتأهيل الإطار المؤسسي الخاص بالجالية
أشار الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2022 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب إلى أن المغرب يحتاج اليوم، لكل أبنائه، ولكل الكفاءات والخبرات المقيمة بالخارج، سواء بالعمل والاستقرار بالمغرب، أو عبر مختلف أنواع الشراكة، والمساهمة انطلاقا من بلدان الإقامة ، و التشديد على ضرورة إقامة علاقة هيكلية دائمة، مع الكفاءات المغربية بالخارج، بما في ذلك المغاربة اليهود ، وإحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها ، و دعوة للشباب وحاملي المشاريع المغاربة، المقيمين بالخارج، للاستفادة من فرص الاستثمار الكثيرة بأرض الوطن، ومن التحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد ، و مطالبة المؤسسات العمومية، وقطاع المال والأعمال الوطني بالانفتاح على المستثمرين من أبناء الجالية؛ وذلك باعتماد آليات فعالة من الاحتضان والمواكبة والشراكة، بما يعود بالنفع على الجميع ، وتحديث وتأهيل الإطار المؤسسي، الخاص بهذه الفئة مع إعادة النظر في نموذج الحكامة، الخاص بالمؤسسات الموجودة، قصد الرفع من نجاعتها وتكاملها.
يحرص جلالة الملك على الارتقاء بتدبير شؤون الجالية المغربية المقيمة بالخارج، انطلاقًا من رؤية استراتيجية حديثة تستند إلى إعادة هيكلة المؤسسات المكلفة بشؤونها، وتطوير السياسات العمومية لضمان حقوقها وتعزيز مساهمتها في تنمية الوطن.
الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 2024 : هندسة ملكية جديدة لتدبير شؤون الجالية
أكد جلالة الملك في خطابه بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 2024، على أهمية الدور الذي يقوم به أبناء الجالية المغربية، باعتبارهم سفراء للمغرب، في الدفاع الدائم عن القضية الوطنية ، وأكد أيضا على ضرورة إصلاح الهيئات المكلفة بتدبير شؤون الجالية ، يتجلى ذلك في إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج و إحداث المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج.
فالجالية المغربية في جميع أنحاء العالم معروفة بوطنيتها الحماسية، وارتباطها الوثيق بثوابت الأمة، ودفاعها المستميت والثابت عن القضية الوطنية. فالمغاربة المقيمون في الخارج شكلوا دائما رافعة ذات قيمة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويولون اهتماما بشدة بتنمية بلدهم الأصلي ويطمحون إلى المساهمة بشكل أكبر في ذلك، لا سيما فيما يتعلق بالاستثمارات ونقل المهارات والكفاءات.
وقد جاء هذا الخطاب بتوجيهات هامة لمراجعة وتحديث الإطار المؤسساتي الخاص بالجالية المغربية بالخارج، بهدف تجاوز الإكراهات التي تعيق أداء المؤسسات الحالية. وتشمل هذه الإصلاحات:
1- إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج ، ما يعزز دوره الاستشاري ويضمن تمثيلية أوسع للمغاربة المقيمين بالخارج.
2. إحداث المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج ، والتي ستسهر على تنفيذ السياسة في قطاع الجالية. فمع تزايد عدد المغاربة المقيمين بالخارج، واحتياجاتهم المتنوعة، بات من الضروري إحداث مؤسسة موحدة ذات طابع مستقل وفعّال، تسهم في تمكين الجالية من المشاركة الفعلية في صنع القرار الوطني، بما يتماشى مع رؤية جلالة الملك الرامية إلى تعزيز دور الجالية كقوة اقتصادية واجتماعية وثقافية فاعلة وإعطاء دفعة جديدة لآليات تأطير مغاربة العالم، ورفع تحدي تبسيط المساطر الإدارية بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، و فتح آفاق جديدة لاستثمارات الجالية على مستوى المملكة، بما يضمن استجابة أكثر لانتظارات وتحديات الجالية المغربية في بلدان المهجر.
فالهدف من هذا الإصلاح هو إعادة تجميع المسؤوليات، المتفرقة بين عدد كبير من الجهات التي لها علاقة بتدبير شؤون الجالية ، مما قد يساعد على عقلنة وترشيد المتدخلين في هذا مجال الجالية ، كما من شأنه أن يحدث تحولا جديدا ضمن هندسة ملكية تروم إصلاح الهيئات المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، مما يسهم في تطوير سياسات أكثر تكاملاً وشمولية، تواكب تطلعات المغاربة في الخارج وتدعم انخراطهم في التنمية وتنفيذ الرؤية الملكية الرامية إلى تعزيز الروابط بين المغاربة في الخارج ووطنهم الأم، وضمان مواكبة مستدامة لقضاياهم، وتعزيز إشراكهم في بناء مستقبل المغرب.
ولذلك، تعكس الرؤية الملكية الحكيمة لتدير شؤون الجالية المغربية بالخارج اهتماما دائما وحرصا شديدا على تعزيز الروابط الثقافية والروحية للمغاربة المقيمين بالخارج بوطنهم، وضمان كافة حقوقهم، وإشراكهم في مسيرة التنمية ببلدهم الأصلي. وهذا ما يجعل ملف الجالية المغربية بالخارج واحدا من الأولويات الاستراتيجية للمملكة المغربية.
*أستاذ جامعي ورئيس مركز الرباط للدراسات السياسية والإسترتيجية